أصحاب الكهف أعوان المهدي عليه السلام
قال الله تعالى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا . إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا . فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا . ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَىُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا . نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى . وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرض لَنْ نَدْعُوَاْ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا . هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا . وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللهَ فَاوُواْ إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا . وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَالْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا . وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا . وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا . إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا . وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا . سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا . (الكهف:9-22).
وذكر المفسرون في سبب نزولها أن قبائل قريش بعثت الى حاخامات اليهود ثلاثة من أصدقائهم هم: العاص السهمي وابن معيط الأموي وابن كلدة العبدري، ليأتوهم بمسائل يعجز عن جوابها النبي صلى الله عليه وآله ! فجاؤوا بمسائل: منها متى تقوم الساعة ، وعن أصحاب الكهف ، وعن ذي القرنين.(تفسير القمي:1/249، والطبري:15/285).
وفي تفسير القمي:2/31: (وهم فتية كانوا في الفترة بين عيسى بن مريم ومحمد صلى الله عليه وآله . وأما الرقيم فهما لوحان من نحاس مرقومان ، أي مكتوب فيهما أمر الفتية وأمر إسلامهم ، وما أراد منهم دقيانوس الملك وكيف كان أمرهم وحالهم ).
وفي تفسير العياشي:2/321 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (وكتب ملك ذلك الزمان بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشايرهم في صحف من رصاص).
وفي الدر المنثور:4/215: وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس: قال رسول الله: إن أهل الكهف من أصحاب المهدي عليه السلام . وأخرج الزجاجي في أماليه عن ابن عباس في قوله: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ ؟ قال: إن الفتية لما هربوا من أهليهم خوفاً على دينهم فقدوهم فخبروا الملك خبرهم ، فأمر بلوح من رصاص فكتب فيه أسماءهم وألقاه في خزانته وقال إنه سيكون لهم شأن). والعطر الوردي/70 ، كالدر المنثور عن تاريخ ابن الجوزي وقال: وحينئذ فَسِرُّ تأخيرهم إلى هذا المدة إكرامهم بشرف دخولهم في هذه الأمة وإعانتهم لخليفة الحق ، كما نقله الصبان عن السيوطي . ونحوه في سبل الهدى:2/124، والفواكه الدواني:1/70 ، وفي فتح الباري:6/365 ، عن حديث: أصحاب الكهف أعوان المهدي: (وسنده ضعيف ، فإن ثبت حمل على أنهم لم يموتوا بل هم في المنام إلى أن يبعثوا لإعانة المهدي).انتهى.
وفي الفواكه الدواني:1/70: (ويكون المهدي مع أصحاب الكهف الذين هم من أتباع المهدي من جملة أتباعه ، ويصلي عيسى وراء المهدي صلاة الصبح وذلك لا يقدح في قدر نبوته ، ويسلم المهدي لعيسى الأمر ويقتل الدجال . ويموت المهدي ببيت المقدس وينتظم الأمر كله لعيسى عليه السلام ويمكث في الأرض بعد نزوله أربعين سنة ، ثم يموت ويصلي عليه المسلمون . وقيل يمكث سبع سنين بعد نزوله ليس يبقى بين اثنين عداوة ، ثم يرسل الله الريح التي تقبض أرواح المؤمنين). انتهى. وهو متأثر بأفكار كعب !
كما روت مصادر السنة والشيعة قصة غريبة ، مفادها: أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله طلبوا منه أن يريهم أهل الكهف فأمرهم أن يركبوا على بساط ، وبعث معهم علياً عليه السلام فطار بهم البساط حتى وصلوا الى أهل الكهف فرأوهم نائمين فكلموهم فلم يجيبوهم وكلمهم علي عليه السلام فأجابوه ( فقال أبو بكر: يا علي ما بالهم ردوا عليك وما ردوا علينا؟ فقال لهم علي ، فقالوا: إنا لا نردُّ بعد الموت إلا على نبي أو وصى نبي). ورووا أن علياً استشهد بأنس بن مالك على هذه الكرامة فأبى أن يشهد فدعا عليه فأصابه البرص والعمى ! ( راجع: عقد الدرر/141، عن تفسير الثعلبي ، وعنه البرهان للهندي/87 ، ومناقب ابن المغازلي/232، عن أنس ، وسعد السعود لابن طاووس/112، وقال: فصل فيما نذكره من كتاب التفسير مجلد واحد تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد القزويني نذكر منه حديثاً واحداً من تفسير سورة الكهف من الوجهة الأولة من القائمة الثانية من الكراس الرابعة ، بإسناده عن محمد بن أبي يعقوب الجوال الدينوري قال: حدثني جعفر بن نصر بحمص قال: حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ثابت عن أنس بن مالك قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وآله بساط من قرية يقال لها بهندف…. هذا الحديث رويناه من عدة طرق مذكورات وإنما ذكرناه هاهنا لأنه من رجال الجمهور وهم غير متهمين فيما ينقلونه لمولانا علي عليه السلام من الكرامات . والخرائج والجرائح:1/210 ، والفضائل لابن شاذان/164 ، ومناقب ابن شهرآشوب:2/337 و 338 بمعناه ، عن جابر وأنس. والفضائل لابن شاذان/164 ،والثاقب في المناقب/71 ، واليقين/133، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، وإرشاد القلوب/268 ، وخلاصة عبقات الأنوار:3/258، ونفحات الأزهار:3/241). والطرائف لابن طاووس/84 ، وقال: وزاد الثعلبي في هذا الحديث علي ابن المغازلي: قال فصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي، فقال إن المهدي يسلم عليهم فيحييهم الله عز وجل له ثم يرجعون إلى رقدتهم فلا يقومون إلى يوم القيامة ).
ملاحظات
1- في الإرشاد:2/117: (عن زيد بن أرقم أنه قال: مُرَّ به عليَّ( رأس الحسين عليه السلام ) وهو على رمح وأنا في غرفة ، فلما حاذاني سمعته يقرأ: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ، فقفَّ والله شعري وناديت: رأسك والله يا ابن رسول الله أعجب وأعجب ). (ومناقب آل أبي طالب:3/218) . وفي المناقب لمحمد بن سليمان:2/267: (عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو قال: رأيت رأس الحسين بن علي على الرمح وهو يتلو هذه الآية: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ! فقال رجل من عرض الناس: رأسك يا ابن رسول الله أعجب) !
2- المتفق عليه في نصوص أصحاب الكهف أنهم من أصحاب المهدي عليه السلام ، ويقوِّيه أن الله تعالى جعل الذين ظهروا في عصرهم يكتبون قصتهم على رقيم حديدي ، ويبنون عليهم باب الكهف ، وأنه تعالى تكلم عن عددهم كثيراً ولم يبينه ! وهذا يعني أن له فيهم قصداً في المستقبل وهو دورهم في عصر الإمام المهدي عليه السلام . لذلك من البعيد أن يقتصر دورهم على تكليم الإمام عليه السلام ثم يموتون ، كما نقل ابن طاووس عن الثعلبي: (إن المهدي يسلم عليهم فيحييهم الله عز وجل له ثم يرجعون إلى رقدتهم فلا يقومون إلى يوم القيامة) .
بل يعارضه ما رواه في الهداية/31: (يأتيه الله ببقايا قوم موسى عليه السلام ويجئ له أصحاب الكهف ويؤيده الله بالملائكة). وفي الإرشاد/365، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يخرج مع القائم عليهالسلام …خمسة عشر من قوم موسى عليه السلام الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون ، وسبعة من أهل الكهف ، ويوشع بن نون…. فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً) .
فقد نصت هذه الروايات وغيرها على دورهم معه عليه السلام ، ولا بد أن يكونوا عوناً له في إقامة الحجة على الروم الذين هم منهم ، والذين يحشدون نحو مليون جندي من جيوشهم في منطقة أنطاكية ، وقد يكون الوفد الذي يرسله المهدي عليه السلام الى أنطاكية هدفه الأساسي كشف أهل الكهف لكي يحتجوا على الروم ، ثم يلتحقون بالإمام عليهالسلام .وقد نصت رواية فوائد الفكر/103 ، التالية على أنهم يكونون معه عليه السلام في حركته نحو الشام والقدس: (عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله : لاتحشر أمتي حتى يخرج المهدي…. ثم يتوجه الى الشام وجبريل على مقدمته وميكائيل على يساره ، ومعه أهل الكهف أعوان له فيفرح به أهل السماء والأرض).
3- ومما يتصل بأهل الكهف موقع أنطاكية في حركة الإمام المهدي عليه السلام ، وأنه سيكون لها شأن في عصره بصفتها مركزاً لحواريي المسيح عليه السلام ودعوته ، وأنه يرسل وفداً من أصحابه فيستخرج نسخ التوراة الأصلية من مكان فيها .
ففي دلائل الإمامة/249، عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (إنما سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي لأمر خفي يهدي ما في صدور الناس ، ويبعث إلى الرجل فيقتله لا يدرى في أي شئ قتله ، ويبعث ثلاثة رَكْب، أما ركبٌ فيأخذ ما في أيدي أهل الذمة من رقيق المسلمين فيعتقهم ، وأما ركب فيظهر البراءة من يغوث ويعوق في أرض العرب . وركب يخرج التوراة من مغارة بأنطاكية . ويعطى حكم سليمان).والخرائج:2/862 ، وغيره.
وفي غيبة النعماني/237 ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر قال: دخل رجل على أبي جعفر الباقر عليه السلام فقال له: عافاك الله إقبض مني هذه الخمسمائة درهم فإنها زكاة مالي فقال له أبو جعفر عليه السلام : خذها أنت فضعها في جيرانك من أهل الإسلام والمساكين من إخوانك المؤمنين . ثم قال: إذا قام قائم أهل البيت قسم بالسوية وعدل في الرعية فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله . وإنما سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي إلى أمر خفي ، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله عز وجل من غار بأنطاكية ، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة وبين أهل الإنجيل بالإنجيل وبين أهل الزبور بالزبور وبين أهل القرآن بالقرآن . وتجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء الحرام ، وركبتم فيه ما حرم الله عز وجل ، فيعطي شيئاً لم يعطه أحد كان قبله ، ويملؤ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً ، كما ملئت ظلماً وجوراً وشراً). ونحوه علل الشرائع/161، وعقد الدرر/39 إلى قوله: أمر خفي .
قد يقال: لماذا لم يقبل الإمام الباقر عليه السلام زكاة ذلك الرجل ويضعها في موضعها ، مع أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وآله بقبولها، بقوله: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . (التوبة:103) والجواب: أن الأئمة من العترة النبوية عليهم السلام كانوا كجدهم صلى الله عليه وآله يقبلون الصدقات والزكوات والأخماس من الناس ، ولا بد أن للقصة ظروفاً لم ينقلها الراوي ، هي التي أوجبت أن يتحدث الإمام الباقر عليه السلام عن إعادة توزيع الثروة وبسطها على الناس في عصر الإمام المهدي عليه السلام . على أن الإمام الباقر عليه السلام أمر الشخص بصرفها في مواضعها ، وهو نوع من القبول .
وفي ابن حماد:1/355، عن كعب قال: المهدي يبعث بقتال الروم ، يعطى فقه عشرة يستخرج تابوت السكينة من غار بأنطاكية فيه التوراة التي أنزل الله تعالى على موسى عليه السلام ، والإنجيل الذي أنزل الله عز وجل على عيسى عليه السلام ، يحكم بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم) .
وفي العرائس للثعلبي/118، عن تميم الداري قال: قلت يا رسول الله مررت بمدينة صفتها كيت وكيت قريبة من ساحل البحر ، فقال صلى الله عليه وآله : تلك أنطاكية ، أما إن في غار من غير أنها رضاضاً من ألواح موسى ، وما من سحابة شرقية ولا غربية تمر بها إلا ألقت عليها من بركاتها ، ولن تذهب الأيام والليالي حتى يسكنها رجل من أهل بيتي يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً). والرضراض: القطع الصغيرة .
وفي تاريخ بغداد:9/471 ، عن تميم الداري قال قلت: يا رسول الله ، ما رأيت للروم مدينة مثل مدينة يقال لها أنطاكية ، وما رأيت أكثر مطراً منها ! فقال النبي صلى الله عليه وآله نعم ، وذلك أن فيها التوراة ، وعصا موسى ورضراض الألواح ، ومائدة سليمان بن داود في غار من غير أنها ، ما من سحابة تشرف عليها من وجه من الوجوه إلا فرغت ما فيها من البركة في ذلك الوادي ، ولا تذهب الأيام ولا الليالي حتى يسكنها رجل من عترتي اسمه إسمي واسم أبيه إسم أبي ، يشبه خلقه خلقي وخلقه خلقي ، يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً) .
أقول: لا قيمة لما يقوله كعب وتميم ولا لما يرويانه ، بعد أن ثبت تكذيب أهل البيت عليه السلام لهما ، خاصة إذا كان كلامهما عن مكانة منطقة تخص اليهود والنصارى . على أن ابن الجوزي حكم بأن رواية تميم لا تصح وأنها موضوعة (الموضوعات:2/57). لكن نقبل مضمون هذا الكلام لأنه تقدم برواية غير تميم وكعب ، على أن عدداً من الروايات نسبت اليهما بعد عصرهما .
من أصحاب المهدي عليه السلام سبعة علماء من بلاد شتى
ابن حماد:1/345، عن ابن مسعود ولم يسنده الى النبي صلى الله عليه وآله قال: (إذا انقطعت التجارات والطرق وكثرت الفتن ، خرج سبعة رجال علماًء من أفق شتى على غير ميعاد ، يبايع لكل رجل منهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، حتى يجتمعوا بمكة فيلتقي السبعة فيقول بعضهم لبعض: ما جاء بكم ؟ فيقولون: جئنا في طلب هذا الرجل الذي ينبغي أن تهدأ على يديه هذه الفتن وتفتح له القسطنطينية ، قد عرفناه باسمه واسم أبيه وأمه وحليته ، فيتفق السبعة على ذلك . فيطلبونه فيصيبونه بمكة: فيقولون له: أنت فلان بن فلان ، فيقول لا ، بل أنا رجل من الأنصار ، حتى يفلت منهم . فيصفونه لأهل الخبرة والمعرفة به ، فيقال هو صاحبكم الذي تطلبونه ، وقد لحق بالمدينة ، فيطلبونه بالمدينة فيخالفهم إلى مكة ، فيطلبونه بمكة فيصيبونه فيقولون: أنت فلان بن فلان وأمك فلانة بنت فلان وفيك آية كذا وكذا ، وقد أفلت منا مرة فمد يدك نبايعك فيقول: لست بصاحبكم أنا فلان بن فلان الأنصاري ، مروا بنا أدلكم على صاحبكم ، حتى يفلت منهم ، فيطلبونه بالمدينة فيخالفهم إلى مكة فيصيبونه بمكة عند الركن فيقولون: إثمنا عليك ودماؤنا في عنقك إن لم تمد يدك نبايعك ، هذا عسكر السفياني قد توجه في طلبنا عليهم رجل من جرم ، فيجلس بين الركن والمقام فيمد يده فيبايع له ، ويلقي الله محبته في صدور الناس ، فيسير مع قوم أسد بالنهار رهبان بالليل).
أقول: هذه القصة نموذج لفهم جمهور السنيين للبشارة النبوية بالمهدي عليه السلام في القرن الثاني والثالث ، وقد أسندوا روايتها الى ابن مسعود رحمه الله الذي كان يتحدث عن بشارة النبي صلى الله عليه وآله بالأئمة الإثني عشر وخاتمهم الإمام المهدي عليهم السلام ، وأدخلوا فيها عناصر تصوراتهم عن المهدي الموعود وتفسيرهم لقول النبي صلى الله عليه وآله إنه يبايع وهوكاره ، وأصل معناه أنه يبايع على غير رغبة منه كما يرغب الطالبون للحكم . وأدخلوا فيها أمنيتهم بفتح القسطنطينية التي استعصت على المسلمين وصارت عقدة عندهم مدة قرون، حتى فتحها أخيراً القائد التركي محمد الفاتح .
لكنهم حافظوا في القصة على هوية الإمام المهدي عليه السلام وعلى أن جيش السفياني السوري يقصد مكة للقضاء على حركته فيخسف الله به ، وحديث جيش الخسف مشهور عند المسلمين من عهد النبي صلى الله عليه وآله .
وشاهدنا أن الرواية حافظت على عدد أصحاب المهدي عليه السلام الثلاث مئة وثلاثة عشر ، الذين يجمعهم الله تعالى من بلاد شتى ، وجعلت ممثليهم هؤلاء العلماء الباحثين عن الإمام المهدي عليه السلام . وقد روى ابن حماد في هؤلاء العلماء السبعة عدة روايات طويلة وقصيرة ، لكن ليس فيها رواية مسندة الى النبي أو الأئمة عليهم السلام . وعنه عقد الدرر/132 ، والحاوي:2/70 ، والسفاريني:2/11، وغيرهم.