تيوليب •° نائبه المدير °•
عدد مساهماتى |♥ : 4846 تاريخ ميلادى |♥ : 27/11/1965 تاريخ تسجيلى |♥ : 09/01/2011 موقعى |♥ : www.elfagr.ahlamontada.net/
| موضوع: فأما الزبد فيذهب جفاء بقلم : زغـلول النجـار الأحد أبريل 24, 2011 5:11 am | |
|
هذا النص القرآني جاء قبل منتصف سورة الرعد بقليل, وهي سورة مكية/ مدنية, عدد آياتها ثلاث وأربعون, وبها سجدة تلاوة واحدة, وقد سميت باسم هذه الظاهرة الجوية الرعد لإشارتها إلي حقيقة تخفي علي كل الغافلين من الخلق المكلفين, وهي أن الرعد كغيره من الظواهر الكونية هو صورة من صور تسبيح تلك الظواهر لله الخالق الذي أنزل في محكم كتابه قوله الحق:... وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم..( الاسراء:44) ومحور سورة الرعد الأساسي هو قضية العقيدة بتفاصيلها من توحيد الألوهية, والربوبية, والدينونة لله الخالق وحده( بغير شريك ولا شبيه ولا منازع) والإيمان بملائكته, وكتبه, ورسله, وبخاتمهم أجمعين سيدنا محمد بن عبدالله( صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه, ودعا بدعوته إلي يوم الدين) والإيمان بحتمية البعث, وبضرورة الحساب, وبالخلود في حياة قادمة إما في الجنة أبدا, أو في النار أبدا..!! وتبدأ سورة الرعد بأربعة حروف مقطعة المر والحروف المقطعة التي جاءت في مطلع تسع وعشرين سورة من سور القرآن الكريم, التي تضم أسماء نصف عدد حروف الهجاء العربية الثمانية والعشرين, تعتبر من الأسرار التي لم تكتشف بعد في كتاب الله.
تؤكد السورة لرسول الله( صلي الله عليه وسلم) أن القرآن الكريم الذي أنزل إليه من ربه هو الحق ولكن أكثر الناس لايؤمنون ثم تعرض لعدد من آيات الله في الكون الدالة علي طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في الخلق, وذلك في مقام الاستشهاد علي قدرته( سبحانه وتعالي) في إفناء خلقه, وإعادة بعثهم من جديد, وبعث الكون كله من حولهم, وذلك لأن حجة الكافرين في كفرهم كانت ولا تزال هي عجزهم عن فهم إمكانية البعث بعد تحلل الأجساد وتحولها إلي تراب, ناسين أو متناسين أن الله علي كل شيء قدير. وتعرض الآيات لعقاب المكذبين بالبعث يوم القيامة, وذلك لان الكفر بالبعث كفر بالله( تعالي) وتكذيب لكتبه ورسله..!! وتعجب من استعجال الكافرين لعذاب الله, بدلا من سؤال رحمته وهدايته, وكأنهم لم يعتبروا بما حصل للامم من قبلهم, وتؤكد ان الله( تعالي) لذو مغفرة للناس علي ظلمهم, وانه لشديد العقاب.. وتذكر الآيات أن الكافرين كانوا يستعجلون نزول المعجزات الحسية, وكأن القرآن الكريم مع عظم قدره ـ لم يكن كافيا لإقناعهم!! وتؤكد لرسول الله( صلي الله عليه وسلم) أن هذا الموقف من الكفار لايضيره لأنه قد أرسل لقومه منذرا وهاديا, كما أرسل من قبله من رسل الله لأقوامهم, وأن الله يعلم كل شيء, وهو( تعالي) علام الغيوب, وأن كل شيء عنده بمقدار, وأنه( سبحانه) هو الذي يحفظ خلقه, فقد أوكل بكل عبد من عباده ملائكة يحفظونه إلي أن يأتي أمر الله الذي لا يغير مابقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم, وأنه لا راد لأمره, وأن له دعوة الحق, بينما دعاء الكافرين في ضلال!!
وتؤكد الآيات أن كل ما في الكون يسجد لله( تعالي) طوعا وكرها, وحتي ظلالهم ـ في تحركها بالغدو والآصال ـ تمثل صورة من صور الخضوع لله بالطاعة والامتثال لأوامره!! وتأمر الآيات رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بسؤال الكافرين عن رب السموات والارض, ويأتي الجواب صريحا قاطعا: الله رب السماوات والأرض وتعيب علي الكافرين اتخاذهم أولياء من دون الله, لايملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا, ولم يخلقوا شيئا والله خالق كل شيء وهو الواحد القهار, وتتساءل الآيات: هل يستوي الأعمي والبصير؟ أم هل تستوي الظلمات والنور؟ وتشبه باطل الكافرين بالزبد الطافي علي وجه الماء المتدفق في الأودية أثناء السيل, أو علي وجه مايصهر من خامات المعادن الفلزية النفيسة والنافعة, وتشبه الحق الذي أنزله الله تعالي بما يمكث في مجاري السيل وتحت خبث الفلزات من نفيس المعادن ونافعها, وتتحدث عن مصير كل من المؤمنين والكافرين يوم القيامة, وتعرض لشيء من صفات كل منهم, وتؤكد أن الله( تعالي) يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر, وأنه يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لايحب, فلا يتخيل الكافر أو المشرك الذي أعطي في الدنيا حظا وفيرا أن هذا يمكن أن يكون شاهدا له أنه علي الحق, وتؤكد الآيات أن فرح الكافرين والمشركين بالحياة الدنيا هو مجرد غرور لأنها متاع مؤقت إذا قورنت بالخلود في الآخرة!!*
وتكرر الآيات تساؤل الكافرين عن المعجزات الحسية التي كانوا يرون ضرورة تنزلها تأييدا لرسول الله( صلي الله عليه وسلم) وترد عليهم بأن الله( تعالي) يضل من يشاء ممن أراد الضلالة, ويهدي من يشاء ممن طلب الهداية, وأن المؤمنين تطمئن قلوبهم بذكر الله, لأن القلوب المؤمنة لاتطمئن إلا بذكره..! وتخاطب الآيات رسول الله( صلي الله عليه وسلم) مؤكدة أن الله( تعالي) قد أرسله في أمة قد خلت من قبلها أمم ليتلو عليهم الذي أوحي إليه, وتدعوه أن يعلن إيمانه بالتوحيد الخالص لله تعالي, والتوكل الكامل عليه وحده, والإيمان الصادق بأن إليه عود ورجوع كل موجود!! وتذكر أنه لو ان كتابا إذا تليت آياته تحركت بها الجبال عن مواضعها وتصدعت بها الأرض وغارت عن مناسيبها وخوطب بها الموتي فأجابوا من داخل قبورهم.. لكان هو القرآن الكريم.. وعلي الرغم من ذلك فإن كثيرا من الكفار والمشركين في صد عنه, وعناد له, وتآمر عليه وعلي أهله وخاصته, ولله الأمر جميعا!
وتطمئن الآيات الذين آمنوا بأن الله( تعالي) لو يشاء لهدي الناس جميعا, وأنه( سبحانه) يعاقب الذين كفروا في الدنيا قبل الآخرة, فلا يزالون ـ بأعمالهم ـ تصيبهم القوارع الشديدة أو تنزل قريبا منهم.. حتي يأتي أمر الله, والله لا يخلف الميعاد. وتثبت الآيات رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بأن الرسل من قبله قد استهزيء بهم, كما استهزأ الكافرون والمشركون بما يدعو إليه من الحق, وأن الله( تعالي) قد أخذ الذين استهزأوا برسله أخذا وبيلا, وأن عذابهم في الآخرة أشد وأبقي, وأن ليس لهم من واق من عذاب الله.
ولضلال الكافرين, ومكرهم, وشركهم بالله( تعالي) أضلهم الله, وأكد أن عقباهم النار, وهو القائم علي كل نفس بما كسبت, والمجازي كلا بما يستحق!! وفي المقابل: تعرض الآيات لشيء من أوصاف الجنة التي وعد الله بها المتقين, وتؤكد أنه علي الذين أوتوا علم الكتب المنزلة من قبل أن يفرحوا بما أنزل إلي خاتم الأنبياء والمرسلين لأنه الصورة النهائية التي تكاملت فيها كل رسالات السماء السابقة, وإن كفر بذلك عدد من الأحزاب المنكرة للدين, أو الجاحدة لما أنزل علي خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم). وتشير الآيات إلي أن إنزال القرآن الكريم حكما عربيا, ومعجزة خالدة, وباقية إلي يوم الدين, هو معجزة هذا النبي الخاتم, الذي يحذره ربه من اتباع أهواء الكافرين بعد الذي جاءه من العلم, وانه ما كان لرسول أن يأتي بمعجزة الا بإذن الله, وان لكل أجل كتابا, وأن الله( تعالي) يمحو ما يشاء, ويثبت وأن عنده أم الكتاب
وتشير الآيات إلي إنقاص الأرض من أطرافها كإحدي الحقائق الكونية الشاهدة علي طلاقة القدرة الإلهية, وأن الله( تعالي) يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب, كما تشير إلي مكر الأمم السابقة, وتؤكد ان لله المكر جميعا فهو( تعالي) يعلم ماتكسب كل نفس وسوف يعلم الكفار لمن عقبي الدار, وتختتم السورة الكريمة بخطاب لرسول الله( صلي الله عليه وسلم) بأنه إذا كان الكافرون ينكرون بعثته الشريفة فالله( تعالي) يشهد بصدقها كما يشهد بها كل من عنده علم الكتاب, ويكفيه ذلك عن كل شاهد: ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب. (الرعد:43)
ومن الآيات الكونية التي استعرضتها سورة الرعد مايلي: (1) رفع السماوات بغير عمد مرئية (2) تسخير الشمس والقمر, كل يجري لأجل مسمي (3) مد الأرض, وخلق كل من الرواسي والأنهار فيها
(4) خلق الثمار في زوجية واضحة (5) اغشاء الليل بالنهار (6) توزيع البركات في الأرض علي قطع متجاورات, وجنات من أعناب, وزرع ونخيل, صنوان وغير صنوان, يسقي بماء واحد, ويفضل الله بعضها علي بعض في الأكل. (7) علم الله تعالي بما تحمل كل أنثي, وما تغيض الأرحام وما تزداد, وكل شيء عنده بمقدار
(8ـ) تقسيم الكون إلي عالم الغيب وعالم الشهادة, وكله امام علم الله واحد, لأن الغيب المكنون الذي لا تدركه عيون البشر وحواسهم مكشوف لعلم الله الذي لاتخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء.. (9) عدد من الظواهر الكونية المبهرة كالرعد., والبرق, والصواعق (10) إنشاء السحاب الثقال وإنزال المطر منه
(11) سجود كل من في السماوات والأرض لله( تعالي) طوعا وكرها, وظلالهم بالغدو والآصال. (12) الإقرار بأن الله( تعالي) هو خالق كل شيء (13) إنقاص الارض من أطرافها
(14) تشبيه الباطل بزبد السيل أو زبد الفلزات المصهورة, وتشبيه الحق بما يمكث في الأرض مترسبا من ماء السيل من مثل الجواهر والمعادن النفيسة والنافعة, أو يبقي بعد صهر الفلزات الثمينة والمفيدة مع عدد من المواد لتخليصها مما قد يكون فيها من شوائب علي هيئة الخبث( الزبد). كل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي مقال خاص بها, ولكني سوف أركز هنا فقط علي قول الحق( تبارك وتعالي):[ أنزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال( الرعد:17) ولكن قبل ذلك لابد من استعراض الدلالة اللغوية لبعض ألفاظ الآية الكريمة, ولأقوال عدد من المفسرين السابقين فيها.
الدلالة اللغوية لبعض ألفاظ الآية الكريمة
من الألفاظ الواردة في الآية الكريمة والتي تحتاج إلي بيان دلالتها اللغوية ما يلي: (1) الزبد الزبد) في العربية مثل( زبد الماء), و(زبد البعير), و(زبد الذهب أو الفضة) وغيرها, هو فقاعات هوائية بها قليل من بخار الماء وبعض الجسيمات الصلبة علي هيئة الرغوة: وتنشأ عن التحريك الشديد للسوائل أو غليها أو تخمرها, وعن صهر الفلزات وغليانها, والزبد( الخبث) في الحالة الأخيرة قد يتصلب ويجمد ولكنه يبقي مشابها لغثاء السيل في امتلائه بالفراغات والقاذورات, ولذلك تطلق لفظة( الزبد) علي كل أمر تافه حقير, لأن هذا( الزبد) عادة لا قيمة له, ولا فائدة منه. و(الزبد) عادة ما يعلو سطح الماء عند اشتداد حركته ويسمي الغثاء( من مثل غثاء السيل), ويعلو سطح ما بقدر من السوائل أو الجوامد عند غليانها علي هيئة الرغوة ويسمي الوضر أو الخبث ويقال أزبد) الشراب أي صار ذا( زبد) إذا تخمر ويقال: بحر( مزبد) أي مائج يقذف( بالزبد), و(الزبد) اشتق اسمه من( الزبد) لمشابهته اياه في اللون, ويقال زبده) أي أطعمه(الزبد) كما يقال زبدته)( زبدا) أي أعطيته مالا وفيرا كالزبد كثرة, أو أطعمته( الزبد), وفي الحديث الشريف: إنا لا نقبل زبد المشركين, و(الزباد) نور يشبه الزبد بياضا.
(2) جفاء الجفاء) في العربية هو القطيعة وكل ما هو ضد البر, ولذا يقال جفوته)( أجفوه)( جفوة) و(جفاء) أي هجرته وقطعت كل صلة لي به, وهو بالنسبة لي( مجفو), ويقال تجافي) جنبه عن الفراش أي نبا عنه, و(استجفاه) أي عده( جافيا, كما يقال جفت) القدر و(أجفت) و(أجفأت زبدها( إجفاء) أي ألقته إلي خارجها, و(أجفأت) الأرض أي أصبحت قاحلة( كالجفاء) بذهاب خيرها. (3) مكث المكث) بضم الميم وكسرها اللبث والثبات والانتظار, يقال مكث)( مكثا) ومكثا) و(تمكث) أي بقي وتلبث فهو( ماكث) وهم( ماكثون), والأمر( امكثوا) أي ابقوا وتلبثوا.
أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالي:[ أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال. (الرعد آية17).
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) مانصه: اشتملت هذه الآية الكريمة علي مثلين مضروبين للحق في ثباته وبقائه, والباطل في اضمحلاله وفنائه, فقال تعالي أنزل من السماء ماء) أي مطرا,( فسالت أودية بقدرها) أي أخذ كل واد بحسبه, فهذا كبير وسع كثيرا من الماء وهذا صغير وسع بقدره..( فاحتمل السيل زبدا رابيا), أي فجاء علي وجه الماء الذي سال في هذه الأودية زبد عال عليه, هذا مثل, وقوله ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية او متاع) الآية, هذا هو المثل الثاني وهو ما يسبك في النار من ذهب أو فضة( ابتغاء حلية) أي ليجعل حلية, أو نحاسا أو حديدا فيجعل متاعا فإنه يعلوه زبد منه, كما يعلو ذلك زبد منه( كذلك يضرب الله الحق والباطل), أي إذا اجتمعا لا ثبات للباطل ولا دوام له, كما أن الزبد لا يثبت مع الماء, ولا مع الذهب والفضة مما يسبك في النار, بل يذهب ويضمحل, ولهذا قال فأما الزبد فيذهب جفاء) أي لا ينتفع به, بل يتفرق ويتمزق ويذهب في جانبي الوادي, ويعلق بالشجر وتنسفه الرياح, وكذلك خبث الذهب والفضة والحديد والنحاس يذهب ولا يرجع منه شيء ولا يبقي إلا الماء وكذلك الذهب ونحوه ينتفع به, ولهذا قال واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال)..
وجاء في الجلالين ـ رحم الله تعالي كاتبيه ـ ما نصه: ثم ضرب مثلا للحق والباطل فقال أنزل) تعالي( من السماء ماء) مطرا( فسالت أودية بقدرها) بمقدار ملئها( فاحتمل السيل زبدا)( رابيا) عاليا عليه, والزبد هو ما علي وجهه من قذر ونحوه( ومما توقدون) بالتاء والياء( عليه في النار) من جواهر الأرض كالذهب والفضة والنحاس( ابتغاء) طلب( حلية) زينة( أو متاع) ينتفع به كالأواني إذا أذيبت ـ أي انصهرت ـ( زبد مثله) أي: مثل زبد السيل, وهو خبثه الذي ينفيه الكير( كذلك) المذكور( يضرب الله الحق والباطل) أي يضرب مثلهما( فأما الزبد) من السيل ومما أوقد عليه من الجواهر والمعادن( فيذهب جفاء) باطلا مرميا به, وهذا مثل الباطل( وأما ما ينفع الناس) من الماء والجواهر والمعادن( فيمكث) يبقي( في الأرض) زمانا, وهذا مثل الحق, كذلك الباطل يضمحل وينمحق وإن علا علي الحق في بعض الأوقات, والحق ثابت باق( كذلك) المذكور( يضرب) يبين( الله الأمثال). وجاء في تفسير الظلال ـ رحم الله تعالي كاتبه رحمة واسعة ـ ما نصه: ثم نمضي مع السياق, يضرب مثلا للحق والباطل, للدعوة الباقية والدعوة الذاهبة مع الريح, للخير الهاديء والشر المنتفخ, والمثل المضروب هنا مظهر لقوة الله الواحد القهار, ولتدبير الخالق المدبر المقدر للأشياء, وهو من جنس المشاهد الطبيعية التي يمضي في جوها السياق أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا..) الآية.
وإنزال الماء من السماء حتي تسيل به الوديان يتناسق مع جو البرق والرعد والسحاب الثقال في المشهد السابق, ويؤلف جانبا من المشهد الكوني العام الذي تجري في جوه قضايا السورة وموضوعاتها وهو كذلك يشهد بقدرة الواحد القهار.. وأن تسيل هذه الأودية بقدرها, كل بحسبه, وكل بمقدار طاقته ومقدار حاجته يشهد بتدبير الخالق عز وجل وتقديره لكل شيء.. وهي إحدي القضايا التي تعالجها السورة.. وليس هذا أو ذلك بعد إلا إطارا للمثل الذي يريد الله تعالي ليضربه للناس من مشهود حياتهم الذي يمرون عليه دون انتباه.
إن الماء لينزل من السماء فتسيل به الأودية, وهو يلم في طريقه غثاء فيطفو علي وجهه في صورة الزبد حتي ليحجب الزبد الماء في بعض الأحيان, هذا الزبد نافش راب منتفخ. ولكنه بعد غثاء, والماء تحته سارب ساكن هاديء.. ولكنه هو الماء الذي يحمل الخير والحياة.. كذلك يقع في المعادن التي تذاب ـ تصهر ـ لتصاغ منها حلية كالذهب والفضة, أو آنية أو آلة نافعة للحياة كالحديد والرصاص, فإن الخبث يطفو وقد يحجب المعدن الأصيل, ولكنه بعد خبث يذهب ويبقي المعدن في نقاء. ذلك مثل الحق والباطل في هذه الحياة, فالباطل يطفو ويعلو وينتفخ ويبدو رابيا طافيا ولكنه بعد زبد أو خبث, ما يلبث أن يذهب جفاء مطروحا لا حقيقة له ولا تماسك فيه, والحق يظل هادئا ساكنا, وربما يحسبه بعضهم قد انزوي أو غار أو ضاع أو مات, ولكنه هو الباقي في الارض كالماء المحيي والمعدن الصريح ينفع الناس( كذلك يضرب الله الأمثال) وكذلك يقرر مصائر الدعوات, ومصائر الاعتقادات, ومصائر الأعمال والأقوال.. وهو الله الواحد القهار, المدبر للكون والحياة, العليم بالظاهر والباطن, والباقي والزائل.
وذكر صاحب صفوة البيان لمعاني القرآن ـ رحمة الله تعالي رحمة واسعة ـ ما نصه أنزل من السماء ماء) ضرب الله مثلين للحق هما الماء الصافي, والجوهر الصافي, اللذان ينتفع بهما, ومثلين للباطل: هما زبد الماء, وزبد الجوهر, اللذان لا نفع فيهما( فسالت أودية بقدرها) فسالت المياه في الأودية بمقدارها الذي عينه الله تعالي, واقتضته حكمته في نفع الناس, أو بمقدارها قلة وكثرة بحسب صغر الأودية وكبرها, والأودية جمع واد وهو الموضع الذي يسيل فيه الماء بكثرة, ويطلق علي الفرجة بين الجبلين.( فاحتمل السيل) أي فحمل الماء السائل في الأودية( زبدا) وهو ما يعلو علي وجه الماء عند اشتداد حركته ويسمي الغثاء, وما يعلو علي القدر عند الغليان كالرغوة ويسمي الوضر والخبث.( رابيا) عاليا مرتفعا فوق الماء, طافيا عليه, وهنا تم المثل الأول, ثم ابتدأ في الثاني فقال( ومما يوقدون عليه في النار) أي ومن الذي يفعلون عليه الإيقاد في النار كالذهب والفضة والنحاس والرصاص وغيرها من المعادن,( ابتغاء حلية) اي لأجل اتخاذه حلية للزينة والتجمل كالأولين( أو متاع) أو لأجل اتخاذه متاعا يرتفق به كالآخرين.( زبد مثله) أي مثل ذلك الزبد في كونه رابيا فوقه, فقوله( زبد) مبتدأ مؤخر خبره( مما يوقدون),( كذلك يضرب الله الحق والباطل) اي يضرب مثلهما للناس للاعتبار,( فأما الزبد فيذهب جفاء) فأما الزبد الذي من كل من السيل ومما يوقدون عليه في النار فيذهب مرميا به مطروحا, يقال جفأ الماء بالزبد أي إذا قذفه ورمي به, وجفأت القدر: رمت بزبدها عند الغليان, وأجفأت به وأجفأته.
وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم جزاهم الله تعالي خيرا ـ مانصه: فهو الذي أنزل عليكم الأمطار من السحاب, فتسيل بها الأنهار والوديان كل بالمقدار الذي قدره الله تعالي لإنبات الزرع وإثمار الشجر, والأنهار في جريانها تحمل ما لا نفع فيه ويعلو علي سطحها, فيكون فيها ما فيه نفع فيبقي, وما لا نفع فيه يذهب, ومثل ذلك الحق والباطل, فالأول يبقي والثاني يذهب, ومن المعادن التي يصهرونها بالنار مايتخذون منها حلية كالذهب والفضة ومنافع ينتفعون بها كالحديد والنحاس, ومنها ما لا نفع فيه يعلو السطح, وأن ما لا نفع فيه يرمي وينبذ, وما فيه النفع يبقي, كذلك الأمر في العقائد: ما هو ضلال يذهب, وما هو صدق يبقي, وبمثل هذا يبين الله سبحانه الحقائق, ويمثل بعضها ببعض لتكون كلها واضحة بينة.
وجاء في الهامش: بين الله شبيهين للحق هما الماء الصافي والمعدن الصافي ينتفع بهما وبين شبيهين للباطل هما زبد الماء وزبد المعادن المذابة( المنصهرة) لا نفع منها فقال: أنزل من السحاب مطرا فسالت مياه أودية بمقدارها في الصغر والكبر فحمل الماء السائل زبدا عاليا علي وجه الماء يسمي غثاء, ومن بعض المعادن التي يوقد الناس عليها في النار كالذهب والفضة والنحاس والرصاص طالبين عمل حلية أو متاع ينتفع به كالأواني وغيره.ا زبد مثل زبد الماء في كونه عاليا فوق سوائل ـ منصهر ـ المعادن يسمي خبثا كهذا المذكور من الماء وزبده والمعدن وزبده, بين الله عزوجل للناس الحق والباطل, فالحق كالماء الصافي والمعدن الصافي والباطل كالزبد الذي لاينتفع به. فأما الزبد الناشيء عن السيل والمعادن فيذهب مرميا به, وأما ما ينفع الناس من الماء والمعادن فيبقي في الأرض للنفع كهذين المثلين في الجلاء والوضوح يبين الله عزوجل الأمثال للناس فيبصرهم بالخير والشر.
مفهوم الآية الكريمة في ضوء المعارف الحديثة يقول ربنا( تبارك وتعالي): أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال. (الرعد:17).
هذا المثل القرآني الرائع يشبه الباطل الدنيا بالزبد الذي يطفو فوق أسطح السيول المتدفقة بالماء في الأودية الضيقة والواسعة علي حد سواء, أو بما يشبهه من الزبد الذي يطفو فوق أسطح المعادن الفلزية النفيسة والنافعة حينما يتم صهرها مع بعض المواد لتنقيتها من الشوائب العالقة بها, وفي الحالتين يتضح أن الزبد الذي يحمله السيل( غثاء السيل), والزبد الذي يطفو فوق أسطح الفلزات المصهورة( خبث الفلزات) لاقيمة لهما, ولا فائدة في أي منهما, وكلاهما نهايته النبذ والإلقاء.. وكذلك الباطل...!! وفي المقابل يشبه هذا المثل القرآني الحق بما يمكث في الأرض مما ينتفع به الناس في الحالتين: ففي حالة السيول الجارية في الأودية ينتفع الناس بمائها ـ والماء سر من أسرار الحياة ـ كما ينتفعون بما يحمله السيل من ثروات معدنية كبيرة تترسب بالتدريج علي طول الوادي الذي يندفع فيه السيل, وذلك مع تباطؤ سرعة جريان الماء المتدفق في الأودية وتناقص قدرته علي الحمل, فتترسب هذه المعادن كل حسب حجم حبيباته وكثافته النوعية: الأثقل فالأقل كتلة بالتدريج حتي يتم تمايز حمولة تلك السيول من المعادن, وتركيز كل منها في مناطق محددة من مجاري السيول, وتعرف هذه الترسيبات المعدنية باسم رسوبيات القرارة(PlacerDeposits), وكثير من الثروات الأرضية تتجمع بمثل هذه الطريقة لوجودها أصلا بنسب ضئيلة في صخور الأرض, ويتم ذلك بتكرار هذه العملية لمرات عديدة عبر آلاف السنين إن لم يكن عبر آلاف بل عشرات الآلاف من القرون, وهذه حقيقة لم تكن معروفة وقت تنزل القرآن الكريم, ولا لقرون متطاولة من بعد نزوله, ولذلك ركز الأقدمون من المفسرين علي أن ما يمكث في الأرض بعد ذهاب غثاء السيل( أي زبده) جفاء هو الماء, وما يستفاد به منه في حياة الناس من شرب, وسقيا للحيوانات, وري للنباتات والمزروعات..
وفي حالة خامات الفلزات النفيسة منها كالذهب والفضة والبلاتين, والمفيدة كالحديد والنحاس والرصاص والقصدير وغيرها فإنه يضاف إلي تلك الخامات بعض المواد التي تساعد علي انصهارها, وعلي تنقيتها مما فيها من شوائب, وهذه المواد المساعدة من مثل الحجر الجيري, والرمل, وثاني أكسيد المنجنيز وغيرها تتحد مع ما بتلك الفلزات من شوائب عند صهرها وتطفو بها فوق سطح الفلز المنصهر مكونة مايعرف باسم خبث الفلزات, وهذا الخبث ينفصل تماما عن الفلز المنصهر الصافي, وحينما يترك ليتبرد يتجمد علي هيئة طبقة زجاجية سوداء, مليئة بالفقاعات الهوائية, تشبه إلي حد بعيد غثاء السيل وما يحمل معه من شوائب, وبانفصال طبقة الخبث يصبح الفلز في درجة عالية من الصفاء والنقاء, وبهذا يشبه القرآن الكريم الحق في صفائه ونقائه. والتشبيه في الحالتين: تشبيه الباطل بالزبد الجافي, وتشبيه الحق بما يمكث في الأرض فينتفع به الناس جاء علي قدر من الدقة اللغوية والعلمية, والإحاطة والشمول بالمعني المقصود لم تكن متوافرة لأحد من الخلق وقت تنزل القرآن الكريم ولا لأكثر من عشرة قرون بعد تنزله.. مما يقطع بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, ويشهد بالنبوة والرسالة للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه( صلي الله عليه وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين).
فمن الأمور الثابتة اليوم أن دورا من الأدوار المنوطة بماء الأرض ـ والماء أصلا هو سر من أسرار الحياة ـ منذ اللحظة الأولي لانبثاقه من داخل الأرض إلي خارجها( خلال فترة دحوها) وبدأ دورته حول الأرض هو شق المجاري المائية والأودية, وتسوية سطح الأرض, والتعاون علي تعرية الصخور ونحتها, وتفتيت مكوناتها, وإذابة مايقبل الذوبان من تلك المكونات وحمله إلي مياه البحار والمحيطات, وترك الباقي علي هيئة تربة الأرض, أو حمله أيضا إلي البحار والمحيطات والبحيرات والمنخفضات علي هيئة الرسوبيات التي تتضاغط تدريجيا لتكون الصخور الرسوبية. ومن المعروف أن صخور الأرض تتكون من المعادن, وأن تلك المعادن تتباين في تركيبها الكيميائي, وفي صفاتها الفيزيائية( الفطرية) فمنها مايتحمل عمليات التعرية ويقاومها فيبقي لفترة طويلة, ومنها ما لايقوي علي ذلك فيبلي بسرعة فائقة, ومنها ما هو عالي الكثافة فيرسب في الماء, ومنها ما هو أقل كثافة من الماء فيحمله الماء إلي مسافات بعيدة ويظل عالقا به لفترات طويلة, وحينما تحمل السيول الجارفة هذا الفتات الصخري منحدرة به من قمم الجبال الشاهقة إلي سفوحها الهابطة والسهول المحيطة بها, قد تنتهي به إلي قيعان البحار والمحيطات أو إلي دالات داخلية في قلب السهول والسهوب الصحراوية, وتقوي السيول علي حمل الفتات الصخري طالما كانت مندفعة بسرعات عالية, ولكن حينما تضعف سرعة التيار المائي تتناقص قدرته علي حمل الفتات الصخري فيبدأ في ترسيبه في مجري الوادي الذي يتحرك فيه السيل بالتدريج حسب كتلة مايحمل من فتات, وبهذه الطريقة يتمايز هذا الفتات الصخري حسب حجم حبيباته, والكثافة النوعية لكل منها, فالمعادن ذات الكثافة العالية والحبيبات الخشنة تترسب أولا, ويليها بالتدريج المعادن ذات الكثافة الأقل وحجم الحبيبات الأدق, وتؤدي عملية التمايز إلي تركيز عدد من جواهر الأرض كالألماس والياقوت والزمرد, والزبرجد والعقيق والفيروز وغيرها وعدد من الخامات الفلزية النفيسة من مثل الذهب والفضة والبلاتين وغيرها والنافعة من مثل الحديد والنحاس والرصاص والقصدير والزنك والمنجنيز والكروم والنيكل وغيرها, علي هيئة تجمعات رسوبية في قيعان الأودية التي مرت بها تلك السيول, ولعل هذا هو من دلالات قول الحق تبارك وتعالي:.... وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض.. وليس الماء فقط كما تصور السابقون من المفسرين.. كذلك في قول الحق( سبحانه وتعالي):.. فسالت أودية بقدرها.. نري أنه بالإضافة إلي حجم الوادي ضيقا وسعة( وبالتالي قلة في كم الماء المندفع فيه وكثرة) لعل من المقصود أيضا هو الطريق الذي يسلكه الماء مارا بمناطق ممعدنة أو غير ممعدنة؟ وبأي نوع وقدر من التمعدن؟ لأن هذا من تقدير الله كما نوعا..
أما المواد الخفيفة والغثائية التي تحملها فقاقيع الهواء المتكونة بسبب سرعة اندفاع الماء في الوادي علي هيئة زبد السيل أو غثائه, فيتكون من الأتربة الدقيقة, وبقايا المعادن المسحوقة أو الرقيقة, والقش, وغيره من فتات النباتات, مما لا قيمة له, ولا نفع منه, ولذا يجمع تحت اسم غثاء السيل ويعبر به عن كل تافه وحقير. ويحمل السيل غثاءه فوق سطح مائه حتي يلقي به علي جوانب الوادي أو دلتاه الداخلية أو في عرض البحر فلا يكاد يبقي له من أثر..!!
وعلي ذلك فإن عوامل التعرية ـ وبخاصة الماء( سائلا ومتجمدا) ـ قد لعبت, ولا تزال تلعب, دورا مهما في تهيئة الأرض لكي تكون صالحة للعمران, ومن أهم هذه الأدوار ـ بالإضافة إلي كون الماء مصدرا من مصادر الحياة وسرا من أسرار الله فيها ـ هو دور الماء في تفتيت الصخور, وتكوين التربة والرسوبيات المختلفة, وفرز ما فيها من معادن غير قابلة للذوبان في الماء, ومقاومة لعمليات البري والتفتيت, وتركيزها عبر نقلها من مكنوناتها في داخل الصخور بعد تفتيتها, وحملها بواسطة السيول, وترسيبها في مجاري الأودية والأنهار ودالاتها, وعلي شواطئ البحار وفي مستنقعاتها, مع تباطؤ سرعة جريان السيل, وتناقص قدرة الماء علي الحمل, ومن هنا كانت تسمية تلك الرسوبيات باسم رسوبيات القرارة, أما علي شواطئ البحار فتقوم عمليات المد والجزر بحمل الخفيف من المعادن وتركيز الثقيل منها علي الشواطئ تحت مسمي الرمال السوداء. ويعد كل من الذهب والفضة والقصدير من الثروات الأرضية المهمة التي تركز في رسوبيات القرارة, وتستخرج من رواسب الأودية, ومن قيعان ودالات بعض الأنهار, ولذا تعتبر رسوبيات القرارة من المصادر التعدينية الهامة والميسرة علي وجه الأرض.
وقد قامت السيول المائية في القديم ـ ولاتزال تقوم ـ بإزالة ما بطريقها من نباتات, وحملها إلي عدد من البحيرات الداخلية, والمستنقعات, وشواطئ البحار, حيث تم طمرها بالرسوبيات, وتفحمها بمعزل عن الهواء مكونة طبقات من الفحم ذات القيمة الاقتصادية العالية, وبزيادة الحرارة علي تلك الطبقات الفحمية في بعض المناطق تحولت إلي الغاز الطبيعي, وهو أيضا ذو قيمة اقتصادية عالية. كذلك فإن العديد من صور الحياة الهائمة والسابحة في مياه البحار وفي دالات الأنهار, تهبط حين تموت إلي قيعان البحار حيث تطمر بالرسوبيات, وتدفن في الأعماق, فتتحلل تلك البقايا مكونة كلا من النفط والغاز المصاحب له, واللذين لا تخفي أهميتهما اليوم علي عاقل.
أما ما يحمل ماء السيول من عناصر ومركبات مذابة فيه فإنها تترسب أيضا بالتفاعلات الكيميائية في مجاري الأودية والأنهار ودالاتها, وفوق قيعان البحار والبحيرات علي هيئة عدد من الركازات المعدنية المهمة التي منها: الحجر الجيري, الفوسفات, البوتاس, الكبريت, الملح, الجبس, الأنهيدرايت, البوكسايت( ثالث أكسيد الألومنيوم), الماجنيزايت( كربونات المغنيسيوم) وغيرها. ولعل هذا كله مما يمكن ضمه تحت مدلول النص القرآني المعجز.. وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال.
هذه الدقة في التعبير, والشمول والإحاطة في الدلالة علي عدد من العمليات الأرضية التي لم يصل الإنسان إلي فهمها إلا بعد مجاهدة استغرقت عشرات الآلاف من العلماء لمئات السنين.. ورودها في كتاب الله الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة من السنين بهذا الأسلوب المعجز ـ وقد جاءت في مقام التشبيه مما يشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه.. ويشهد للنبي الخاتم الذي تلقاه بأنه كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض.. فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين والحمد لله رب العالمين. | |
|