عدد مساهماتى |♥ : 4846تاريخ ميلادى |♥ : 27/11/1965 تاريخ تسجيلى |♥ : 09/01/2011موقعى |♥ : www.elfagr.ahlamontada.net/
موضوع: بدر شاكر عبد الجبار بن مرزوق السياب الأربعاء يونيو 22, 2011 1:56 pm
[b]
السياب مزيج من اليأس والشعر
بدر شاكر السياب
"جيكور" هي قرية صغيرة تقع بمنطقة أبو الخصيب جنوب البصرة بالعراق إلى جانب غيرها من القرى، ربما كان من الصعوبة أن يرد ذكرها في التاريخ لصغر حجمها وبساطة أهلها، ولكن قدر لهذه القرية الصغيرة أن يرتبط أسمها مع اسم واحد من أهم رواد الشعر الحر وهو بدر شاكر السياب والذي ولد بين أحضان "جيكور"، وترعرع بين ربوعها وحقولها، وجيكور هي كلمة فارسية تعني "بيت العميان". [/b]
والسياب هو أحد رواد الشعر الحر من أمثال نازك الملائكة، والذين تحرروا من القيود التي كانت تفرض في نظم القصيدة العربية، عبر في قصائده عن الصراع بين الخير والشر مستخدماً الرموز والأساطير، وعانى في حياته القصيرة التي امتدت على مدار 38 عام الكثير من المأسي والأحزان، إلى أن جاءت وفاته بعد صراع قاسي مع المرض في 24 ديسمبر 1964.
البداية
ولد بدر شاكر عبد الجبار بن مرزوق السياب كما سبق أن ذكرنا بقرية جيكور عام 1926م، وتنتمي عائلته للمذهب السني، وكان بدر هو الابن الأكبر بين أبناء شاكر عبد الجبار الثلاثة، توفيت والدته وهو في السادسة من عمره، فكانت أولى الصدمات التي عانى منها، جاء بعدها زواج والده مرة أخرى وانتقاله للعيش مع جدته لأمه.
تلقى السياب تعليمه الابتدائي بإحدى القرى القريبة من جيكور وتدعى "باب سليمان"، ثم تابع دراسته الثانوية في البصرة، وتفجرت الموهبة الشعرية لدى السياب صغيراً وربما ساعده في ذلك وجوده في طبيعة جميلة، فانطلق في كتابة الأشعار عن الطبيعة وعن مشاعره الخاصة.
التحق عام 1943 بدار المعلمين العالية ببغداد، وأقام بالقسم الداخلي ملتحقاً بفرع اللغة العربية، وانكب على القراءة، فقرأ لشارل بودلير الشاعر والناقد الفرنسي والذي يعد من ابرز شعراء القرن التاسع عشر، وتأثر السياب بهذا الشاعر فقدم قصيدته "بين الروح والجسد" وهي قصيدة ناهزت الألف بيت قام بإهدائها لروح بودلير، كما أكثر من الإطلاع على كل من الأدبين العربي والإنجليزي، خاصة بعد انتقاله إلى قسم اللغة الإنجليزية بدار المعلمين، وعقب تخرجه عمل السياب كمدرس للغة الإنجليزية بإحدى المدارس الثانوية.
حياة السياب صعوداً وهبوطاً
تعرض السياب خلال حياته لعدد من المأسي والأحزان التي تركت الكثير من الآثار في نفسه منها وفاة والدته وهو مازال في السادسة من عمره، وزواج والده مرة أخرى ثم وفاة جدته والذي كان شديد التعلق بها، ومصادرة أملاكها، وتعرضه لمشاكل مادية، ومما قاله في رسالة لأحد أصدقائه عن وفاة جدته والتي تركت وفاتها بالغ الأثر في نفسه " افيرضى الزمن العاتي، أيرضى القضاء أن تموت جدتي أواخر هذا الصيف فرمت بذلك أخر قلب ينبض بحبي؟ أنا أشقى من ضمت الأرض"
كما لعبت العواطف دوراً في حياة السياب فيأسه في إيجاد الحب وافتقاره للوسامة وعدم مقابلته لفتاة يحبها وتحبه كل هذا ترك في نفسيته شعوراً بالظلم والمرارة جعله يخرج انفعالاته من خلال الشعر، وإن كان السياب حاول أكثر من مرة أن ينعم بالحب، فأحب ابنة عمه وفيقة، وكان يذهب لمساعدة جده برعاية الماشية أملاً في الفوز بحب إحدى الراعيات البدويات، ثم جاء تعلقه في بغداد بإحدى زميلاته وتدعى لبيبة أو "ذات المنديل الأحمر" والتي قال فيها:
خـيـالك مـن أهـلي الأقـربين
أبّــــــر وإن كــــــان يــعــقـل
أبــي مـنـه جـردتـني الـنساء
وأمـي طواها الردي المعجل
وما بي من الدهر إلا رضاك
فـمـر حـمال فـالدهر لا يـعدل
ثم توالى حبه للكثير من الزميلات والفتيات والذي كان يعتبر كل واحدة منهم ملهمته، وجاء عدم توفيقه في حبه للشاعرة "لميعة" نظراً لاختلاف المذاهب الدينية لينفجر في نفسه الكثير من الحزن والمرارة فثار على العادات الاجتماعية الدينية وصب انفعاله هذا في قصيدته "أساطير" عام 1948 والتي قال فيها:
شعر السياب بالمقت لكل أشكال الظلم الاجتماعي والسياسي، فاتجه للسياسة يفرغ بها انفعاله وانضم إلى حلقات سياسية أثناء فترة تواجده بالجامعة فشارك في إضراب 1946 وتم فصله سنة من الجامعة على أثر ذلك، ثم عاود المشاركة مرة أخرى في المظاهرات مما أدى إلى سجنه، وبعد خروجه عاد لإكمال دراسته إلا انه ظل مشاركاً في التحركات السياسية حتى تخرجه.
الشعر في حياته
على الرغم من مشاركته السياسية وتعرضه للسجن إلا أن السياب لم يترك الشعر أبداً فكان يسري مع الدم في عروقه، وجاء تقديمه لديوانه الأول في القاهرة عام 1947 بعنوان "أزهار ذابلة" ويضم قصيدته "هل كان حباً" والتي أعتبرها السياب أول قصيدة في الشعر الحر، وقد وقع الخلاف بين كل من السياب ونازك الملائكة على من الأسبق في تقديم هذا النوع من الشعر والذي خرج فيه كليهما عن المألوف في أسلوب نظم القصيدة العربية، ومن المعروف أن الملائكة قدمت بدورها قصيدة "الكوليرا" والتي يقال أيضاً أنها أول قصيدة في الشعر الحر.
من الدواوين الشعرية التي قدمها السياب "أعاصير" والذي ظهر فيه اهتمامه بقضايا الإنسانية وقد حافظ فيه على الشكل العمودي للقصيدة، وبعد اتجاه للشعر الحر اتخذ من المطولات الشعرية وسيلة للكتابة فقدم "الأسلحة والأطفال"، "المومس العمياء"، "حفار القبور" والتي قدمها في 299 بيت مزج بها الأسلوب القصصي بالوصف والمشاعر وكانت تجمع بين القضايا الاجتماعية والشعر الذاتي.
كما قدم السياب "أنشودة المطر" وهي واحدة من أروع قصائده، تم نشرها في مجلة الآداب، وهي القصيدة التي هيئت له الفوز بالجائزة الأولى في مسابقة مجلة "شعر" لأفضل مجموعة مخطوطة.
ثم قدم مجموعته "المعبد الغريق" وفيها انتقل من تموز والمطر في "أنشودة المطر" إلى السراب والمراثي، ثم بدأ في التوغل في ذكرياته وأصبح شعره معبراً عن سيرته الذاتية فجاءت قصائد " منزل الأقنان"، و"شناشيل ابنة الجلبي"، "الهدايا"، "قيثارة الريح"، "فجر السلام".
عمل السياب كمدرس ثانوي في إحدى القرى، ثم سجن لفترة نظراً لتحركاته السياسية ضد النظام، وتم منعه إدارياً من التدريس لمدة عشر سنوات، وأثناء ذلك عانى السياب من اليأس والوحدة والفقر لفترات طويلة، فظهر شعره حزيناً يعكس حالته النفسية، وتنقل بين أكثر من عمل، فعمل كذواقة للتمر بالبصرة، كما عمل كاتب في شركة نفط بالبصرة، ومأمور مخزن لإحدى الشركات، كما عمل كصحفي ولم يترك الشعر للحظة حيث كان أداته في التعبير ما يدور في نفسه.
توترت الأوضاع في العراق في فترة الخمسينات، ونظراً لماضيه السياسي هرب السياب متخفياً إلى إيران ومنها إلى الكويت، والتي عمل فيها في إحدى الوظائف المكتبية بشركة كهرباء الكويت، ثم مالبث أن عاد مرة أخرى إلى بغداد وتم تعينه موظفاً بمديرية الاستيراد والتصدير العامة، وعقب عودته زاد في نظم أشعاره متأثراً بأحوال وطنه العراق، وتذكر قريته "جيكور" والتي ترمز لديه للبراءة والحب والطفولة فكان يلجأ إليها كثيراً أملاً في الراحة والسلام وللابتعاد عن قسوة المدينة ومما قاله في قريته الجميلة قصيدة "جيكور والمدينة"
تزوج السياب عام 1955 من السيدة إقبال وهي معلمة بإحدى مدارس البصرة الابتدائية، والتي أنجب منها أبنائه الثلاثة غيداء وألاء وغيلان، هذه السيدة التي أصبحت رفيقته في رحلته القصيرة مع الحياة والتي تحملت لحظات مرضه القاسية.
انضم السياب في عام 1957 إلى مجلة "شعر" اللبنانية والذي كان يحررها يوسف الخال فأصبح واحد من مجموعة كتابها من دعاة الشعر الحر، إلى جانب كل من أدونيس، وأنسي الحاج، وتوفيق الصايغ وغيرهم، واستمر حال السياب صعوداً وهبوطاً بين الفصل عن العمل والعودة إليه وبين السجن والخروج منه، حتى بدأت حالته الصحية في التدهور وأصبح يجد صعوبة في الحركة.
انتهت القصيدة
قبر السياب
سافر السياب في الجزء الأخير من حياته إلي عدد من الدول العربية والأوربية وذلك لحضور مؤتمرات أدبية ومتابعة حالته الصحية وإجراء فحوصات وازداد إحساسه بالموت، فنظم قصائد يملؤها اليأس والألم، وتم نقله إلى الكويت ليتلقى رعاية طبية.
جاءت وفاة السياب في 24 ديسمبر 1964 بالكويت بعد معاناة شديدة مع المرض الذي شل قواه وانحل جسده خلال سنوات حياته الأخيرة، ثم نقل جثمانه إلى البصرة ليرجع إلى وطنه العراق مرة أخرى ولكن بعد أن ضمه تابوت خشبي.
عبرت قصيدته "سفر أيوب" عن محنته المرضية والتي قال فيها:
لـك الـحمد مـهما اسـتطال الـبلاء ومـــهـــمــا اســـتـــبــدّ الألـــــــم، لـــك الـحـمد، إن الـرزايـا عـطـاء وان الـمـصـيبات بــعـض الـكـرم. ألـــم تُـعـطـني أنــت هــذا الـظـلام وأعـطـيـتني أنـــت هــذا الـسّـحر؟ فـهـل تـشكر الأرض قـطر الـمطر وتـغـضب إن لــم يـجـدها الـغمام؟ شــهـور طـــوال وهــذي الـجـراح تـــمــزّق جــنـبـي مــثــل الــمــدى ولا يــهـدأ الـــداء عــنـد الـصـباح ولا يمسح اللّيل أو جاعه بالردى. ولــكـنّ أيّــوب إن صــاح صــاح: "لــك الـحـمد، إن الـرزايـا نــدى، وإنّ الــجــراح هــدايــا الـحـبـيـب أضــــمّ إلــــى الــصّــدر بـاقـتـهـا، هــدايـاك فـــي خـافـقـي لا تـغـيب، هـــدايــاك مــقـبـولـة. هــاتــهـا!"
قدم السياب بالإضافة لدواوينه الشعرية عدد من الترجمات الشعرية منها عيون إلزا أو الحب والحرب عن أراغون، قصائد عن العصر الذري – عن ايدث ستويل، قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث، قصائد من ناظم حكمت.
ومن أعماله النثرية: الالتزام واللاالتزام في الأدب العربي الحديث - محاضرة ألقيت في روما ونشرت في كتاب الأدب العربي المعاصر، ومن ترجماته النثرية ثلاثة قرون من الأدب، الشاعر والمخترع والكولونيل مسرحية من فصل واحد لبيتر اوستينوف، وقد شارك السياب في الكتابة في كل من مجلتي الآداب والحوار، كما قدم كتاب بعنوان "كنت شيوعياً" وهو عبارة عن مجموعة من المقالات والاعترافات التي نشرها بإحدى الجرائد العراقية.