في مجتمعات الرفاهية والتحرر الزائد ، لايهتم كل إنسان سوي بنفسه ، وتكون المشكلة الرئيسية في حياة الناس هي الشعور بالوحدة وافتقاد الحب وضعف الروابط الإنسانية ، ولذلك تدور أدبيات تلك المجتمعات حول معاني ( الحب الضائع والتواصل المفقود و الاغتراب ) ، وهي معاني ذاتية تخص الفرد ولا تحفل كثيرا بالآخرين .
ولأن أدباءنا اعتادوا السير علي خطي الأدب الغربي فهم يكررون نفس المعاني والمفاهيم في كتاباتهم ، دائما ينظر أبطالهم داخل الذات ويحللون كل ما يشعرون به ويضخمون كثيرا مشكلتهم الفردية الترفيه وكأنها مشكلة قومية ، مما يشعر القارئ بالرغبة في التثاؤب والملل والانفصال عما يقرأ وعدم التعاطف ، ثم يلقي بالكتاب جانبا وهو يقول ( عالم فاضية )
لمشكلاتنا طبيعة مختلفة تماما ،إنها مشكلات ( لقمة العيش ) وتحمل مسئولية أسرة وأولاد في مجتمع يعاني ويئن ، نادرا ما نفكر ـ رجالا ونساء ـ في أنفسنا ، ولا تعطينا المهام المتتالية والرغبة في الإنجاز تلك الفرصة الرومانسية لتأمل المشاعر وتقييمها ، لأن التفكير فيمن نعول له الأولوية المطلقة .
لقمة العيش الحلال هي الهدف الأول والهم الدائم لدي الرجل ، فهو يعمل في أكثر من مكان لتوفيرها لأسرته ، وتدبير شئون الأسرة من طعام وملبس وتنظيم ورعاية للأبناء هو ما يهم المرأة ويشغلها آناء الليل وأطراف النهار ، فإذا أكرم الله الأسرة بالاستقرار المادي والستر ، جاء التفكير في مستقبل الأبناء ليحتل بؤرة اهتمامهم ، تعليمهم وتربيتهم وحمايتهم ، ثم عملهم وزواجهم ومساندتهم بعد ذلك .
كل تلك العناوين تشمل الكثير من القضايا التي يمكن معالجتها والتفكير في حلول واقعية لها من قبل الكتاب والمفكرين والأدباء ، لعلها تفيد من يقرأ ، أو علي الأقل تعطيه نموذجا ومثالا يشعره أنه ليس وحده ، وبالتأكيد عندما نقرأ عمن يشبهنا سوف يسترعي ذلك انتباهنا وسوف نتجاوب مع الكاتب حتي نعلم كيف انتهت قصة تلك المرأة المكافحة مع أولادها ؟ وماذا فعل الرجل الطيب ليتجاوز محنته ؟ وهل استطاع الولد أن يتخلص من أصدقاء السوء ؟ وكيف تزوجت الفتاة الفقيرة ؟ ومن تكفل بالجدة العجوز في أيامها الأخيرة ؟ وكيف استطاعت الأرملة ذات العيال أن تحسن تربيتهم وتدبر شئون معاشهم ؟ وكيف أثرت أحوال المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية علي الحياة اليومية لأفراده ؟ وكيف نرغب الشباب في الطريق القويم ونأخذ بأيديهم إليه ؟ يستطيع القارئ أن يضيف عشرات العناوين النافعة الأخري .
لايحتاج الأمر إلي استطلاعات للرأي أو ذكاء حاد لنعرف الاهتمامات الحقيقية للناس في بلادنا ، سوف تأتي ( لقمة العيش الحلال ) علي رأسها ثم ( تربية الأبناء وتعليمهم ) ثم ( مشكلات الشباب ) ثم ( زواج البنات ) ، أما ما تتناوله مشكلات القراء التي تعرضها كبري الصحف المصرية من نوعية ( المرأة التي تحيي ذكري حبها المفقود بعد 30 عاما علي أضواء الشموع وأغاني الحب ) وتفرد لذلك الصفحات فهو لهو وعبث لا يليق .
اتهام الناس بأنها لا تقرأ اتهام باطل ، في الحقيقة هم لا يجدون ما يستحق القراءة ، وإذا كسدت بضاعة الكتاب والأدباء يجب أن يفكروا في تغيير المحتوي وتبني قضايا الناس ومشكلاتهم الحقيقية ومحاولة طرح حلول عملية لها.
فهل يفعلون ؟