عمران بن حصين
إنه القدوة الإمام، وصاحب الدعوة المجابة، والذي كانت الملائكة تسلم عليه.
إنه الصحابي الجليل أبو نُجيد عمران بن حصين -رضي الله عنه-، صاحب راية خزاعة يوم الفتح. أسلم عام خيبر، وبايع الرسول ( على الإسلام والجهاد، وكان صادقًا مع الله ومع نفسه، ورعًا زاهدًا مجاب الدعوة، يتفانى في حب الله وطاعته، كثير البكاء والخوف من الله، لا يكف عن البكاء ويقول: يا ليتني كنت رمادًا تذروه الرياح. [ابن سعد].
أسلم هو وأبوه وأبوهريرة في وقت واحد سنة سبع من الهجرة. وبعد إسلامه لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حله وترحاله، وفي سائر غزواته، وكان صاحب راية خزاعة يوم الفتح. تأثر عمران برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يوقر النبي في حضرته وغيبته، فهذا عمران بن حصين يخبر أنه ما مس عورته بيمينه منذ بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ينزه يده التي لامست يد النبي ان تلامس عورته أدباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان عمران حريصاً على اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، شديد الغضب على المخالفين والمبتدعين. اخرج الشيخان عن عمران بن حصين أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياء خير كله). فقال بشير بن كعب ؟ إنا نجد في بعض الكتاب أن منه سكينة ووقاراً، ومنه ضعفاً، فغضب عمران بن حصين حتى احمرت عيناه وقال: “أحدثك عن رسول الله وتحدثني عن صحفك”، وفي رواية، قال: “أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجيء بالمعاريض، لا أحدثك بحديث ما عرفتك”، فقالوا: يا أبا نجيد: إنه طيب الهوى .. وإنه .. وإنه .. فلم يزالوا به حتى سكت.
وكذلك فإن عمران كان صابراً محتسباً، مرض سنوات طويلة، ومع ذلك كان يتحمل الآلام في سبيل الله جل وعلا قال ابن سيرين: “سقى بطن عمران بن حصين ثلاثين سنة، كل ذلك يعرض عليه الكي، فيأبى، حتى كان قبل موته بسنتين، فاكتوى”. وقال مُطرِّف بن عبد الله الشخير: “اتيت عمران بن حصين يوماً، فقلت له: إني لأدع إتيانك لما أراك فيه، ولما أراك تلقى. قال: فلا تفعل، فو الله إن أحبه إليّ أحبه إلى الله”.
وكان عمران بن الحصين قد استسقى بطنه، فبقي ملقى على ظهره ثلاثين سنة، لا يقوم ولا يقعد، قد نقب له في سرير من جريد كان عليه موضع لقضاء حاجته. فدخل عليه مطرف وأخوه العلاء، فجعل يبكي لما يراه من حاله فقال: لم تبكي؟ قال: لأني أراك على هذه الحالة العظيمة. قال: لا تبك فإن احبه إلى الله تعالى، أحبه إلي. ثم قال: أحدثك حديثاً لعل الله أن ينفع به، واكتم علي حتى أموت، إن الملائكة تزورني فآنس بها، وتسلم علي فأسمع تسليمها، فأعلم بذلك ان هذا البلاء ليس بعقوبة، إذ هو سبب هذه النعمة الجسيمة، فمن يشاهد هذا في بلائه، كيف لا يكون راضياً به؟!
فلله در عمران بن حصين، كم كان متوكلاً محتسباً، صابراً. وها هو يتحمل آلام المرض ولا يقرب علاجاً قد نهي عنه، أو على الأقل يكره استعماله، فآلام الدنيا كلها تهون أمام معصية الله، فعن مطرف بن عبد الله قال: قال لي عمران بن حصين: “أحدثك حديثاً عسى الله ان ينفعك به ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حج وعمرة، ثم لم ينه عنه حتى مات، ولم ينزل فيه قرآن يحرمه، وقد كان يسلم عليَّ حتى اكتويت فتركت ثم تركت الكي فعاد”.
قال النووي: ومعنى الحديث ان عمران بن حصين كانت به بواسير فكان يصبر على المهمات وكانت الملائكة تسلم عليه، فاكتوى فانقطع سلامهم عليه، ثم ترك الكي فعاد سلامهم عليه. وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الكي بالنار.
وكان عمران عادلاً في حكمه، يخشى من ربه. فعن عطاء مولى عمران، أن عمران قضى على رجل بقضية، فقال: والله قضيت عليّ بجورٍ، وما ألوتَ. قال: كيف؟ قال: شهد عليَّ زوراً، قال: فهو في مالي، ووالله لا أجلس مجلسي هذا أبداً. وكان عمران ممن اعتزل الفتنة، ولم يحارب علياً. فعن أبي قتادة قال: قال لي عمران بن حصين: “الزم مسجدك. قلت: فإن دخل عليَّ؟ قال: الزم بيتك. قلت: فإن دخل عليَّ؟ قال: لو دخل عليَّ رجل يريد نفسي ومالي، لرأيت أن قد حل لي ان اقتله، وفاضت روحه الطاهرة لتخرج من دنيا الوهم والغرور إلى دار النعيم والسرور.
وتوفي سنة اثنتين وخمسين.
فرضي الله عن عمران وعن سائر الصحابة أجمعين.