عدد مساهماتى |♥ : 4846تاريخ ميلادى |♥ : 27/11/1965 تاريخ تسجيلى |♥ : 09/01/2011موقعى |♥ : www.elfagr.ahlamontada.net/
موضوع: جورجي زيدان .. سخر الأدب لخدمة التاريخ الأربعاء يونيو 22, 2011 3:05 pm
جورجي زيدان .. سخر الأدب لخدمة التاريخ
جورجي زيدان
جورجي زيدان أديب وكاتب لبناني مثقف، وملم بعدد من اللغات الأجنبية، عشق زيدان منذ الصغر الاطلاع والقراءة، فكان مطلعاً على التاريخ والأدب العربي، أثرى الساحة الأدبية بالعديد من المؤلفات الهامة في مجالات الفكر كافة والتي كانت ومازالت مراجع هامة يرجع إليها الباحثين، هذا بالإضافة لعدد من الروايات والمؤلفات التي تناولت التاريخ في أسلوب قصصي شيق يجذب القراء، حيث صدر له في هذا الإطار حوالي 23 رواية تاريخية " وهي سلسلة روايات تاريخ الإسلام" والتي استطاع من خلالها أن يقدم التاريخ الإسلامي في يسر وسهولة، وهو صاحب الفضل في إنشاء مطبعة الهلال والتي أصدر منها بعد ذلك " مجلة الهلال"، والتي تضمنت صفحاتها نشر رواياته التاريخية بشكل مسلسل في السنوات الأولى من القرن التاسع عشر.
تمكن جورجي زيدان من تحويل التاريخ من مجرد مادة صماء جامدة إلى شخصيات ووقائع نابضة بالحركة من خلال العلاقات الإنسانية التي قام بنسجها وبناءها لجعلها تقدم لنا التاريخ بصورة مشوقة، وهذا ما جعل هذه الروايات تلاقي إقبالاً شديداً بين مختلف فئات المجتمع وفي جميع الدول سواء داخل مصر أو خارجها .
أطلع جورجي زيدان على العديد من الكتب كما تأثر بمنهج المستشرقين في دراسة تاريخ الآداب العربية مثل بروكلمان المستشرق الألماني وغيره العديد من المستشرقين الآخرين.
النشأة
ولد جورجي زيدان في العاصمة اللبنانية بيروت في 14 ديسمبر عام 1861م، لأسرة مسيحية صغيرة كان والده يمتلك مطعماً صغيراً وكان هذا المطعم هو مصدر الدخل للأسرة، وعندما بلغ الخامسة من عمره قام والده بإلحاقه بالمدرسة الابتدائية، ثم انتقل لمدرسة الشوام وهي المدرسة التي تعلم بها اللغة الفرنسية ، ثم تركها للالتحاق بمدرسة مسائية تعلم بها اللغة الإنجليزية ولم ينتظم جورجي زيدان في الدراسة حيث تركها بعد فترة وتفرغ للعمل مع والده بالمطعم، ولكن لم يدم هذا العمل كثيراً حيث تركه أيضاً وعمل في صناعة الأحذية لمدة عامين وكان حينها في الثانية عشر من عمره، ولقد سارت هوايته في القراءة والإطلاع جنباً إلى جنب بجانب الأعمال التي كان يقوم بها.
عشقه للأدب
عرف عنه منذ الصغر ولعه الشديد بالأدب والثقافة، وقام بالتعرف على عدد من الشخصيات الأدبية والصحفية وتوطدت علاقته بهم ومن هؤلاء الأشخاص يعقوب صروف، فارس نمر، سليم البستاني وغيرهم الكثير من الأشخاص المتخرجين من الكلية الأمريكية، وكانوا يقومون بدعوته إلى الاحتفالات التي تقيمها الكلية ومن هنا بدأ يراوده الحنين للعودة مرة أخرى للدراسة
وقد كان فترك العمل وتفرغ مرة أخرى للدراسة والتحصيل العلمي وبالفعل التحق بمدرسة الطب بعد اجتهاده في تحصيل عدد من المواد العلمية التي أهلته للالتحاق بها وبعد أن أمضى عام واحد بها تركها ليلتحق بمدرسة الصيدلة.
المجال العملي
قرر جورجي زيدان الانتقال إلى القاهرة في عام 1883م من أجل استكمال دراسته في الطب ولكن وبعدما وصل إليها قرر تغيير رأيه حيث قام بالبحث عن عمل له، فعمل كمحرر بصحيفة "الزمان اليومية"، ثم بعدها بعام تم تعيينه مترجماً في المكتب الخاص بالمخابرات البريطانية بالقاهرة وذلك في عام 1884م، وقام بمرافقة الحملة الإنجليزية المتوجهة للسودان لإنقاذ القائد الإنجليزي من حصار المهدي وجيوشه ، عاد جورجي بعد رحلته إلى السودان إلى بيروت مرة أخرى.
وعند عودته إلى بيروت قام بالانضمام إلى المجمع العلمي الشرقي للبحث في العلوم والصناعات، وقام بتعلم كل من اللغة العبرية والسريانية، وفي هذه الفترة قام بتأليف أول كتاب له وهو " فلسفة اللغة العربية".
العودة للقاهرة
قام جورجي زيدان بزيارة إلى لندن واستغل هذه الزيارة في التردد على مكتباتها ومتاحفها والمجمعات العلمية الموجودة بها قبل أن يعود مرة أخرى إلى القاهرة ليستقر بها، وفي القاهرة تنقل جورجي زيدان بين العديد من الوظائف والمهام فكانت البداية بتسلمه إدارة مجلة المقتطف، ثم عمل كمدرس لمادة اللغة العربية بمدرسة " العبيدية الكبرى"، كما قام بالاشتراك مع " نجيب متري " في إنشاء مطبعة، وبعد ذلك انسحب نجيب متري واحتفظ جورجي زيدان بالمطبعة لنفسه والتي عرفت باسم " مطبعة الهلال " في حين قام نجيب متري بإنشاء مطبعة أخرى باسم " المعارف " ، وفي عام 1892م قام جورجي زيدان بإصدار " مجلة الهلال " والتي عمل على تحريرها بنفسه.
اجتهد جورجي زيدان في تحرير " مجلة الهلال"، وكان يقوم بنشر كتبه فيها على هيئة فصول، نالت هذه المجلة استحسان الغالبية العظمى من الناس وأصبحت في فترة قصيرة من أكثر المجلات انتشاراً وتوزيعاً، واستمر إصدارها لعدد كبير من السنوات وتوالى على رئاسة تحريرها العديد من رؤساء التحرير من الكتاب الكبار والأدباء مثل أحمد زكي، حسين مؤنس، علي الراعي، صالح جودت وغيرهم الكثير.
كتبه ومؤلفاته
قام جورجي زيدان بتأليف العديد من الكتب والمؤلفات وكان أول كتاب قام بتأليفه في عام 1886م وكان بعنوان " فلسفة اللغة العربية " حيث يعد هذا الكتاب أول محاولة في تطبيق مبادئ فقه اللغة المقارن على اللغة العربية، ثم قام بعمل بعض التعديلات عليه وقام بإصداره مرة أخرى بعنوان " تاريخ اللغة العربية"، توالى بعد ذلك إنتاجه الأدبي الغزير وكان من الكتب المهمة التي صدرت له كتاب " تاريخ التمدن الإسلامي " والذي صدر في خمسة أجزاء عام 1902م، ويعد هذا الكتاب من الكتب الهامة في مجال الأبحاث الإسلامية وقد تم ترجمته لعدد من اللغات، وصدر له أيضاً كتاب " تاريخ آداب اللغة العربية " والذي صدر في أربعة أجزاء عام 1911م، ويتناول فيه تاريخ الأدب العربي في عصوره المختلفة، ثم كتاب " تراجم مشاهير الشرق " والذي يتناول فيه عدد من أعلام الشرق في القرن التاسع عشر ويجمع الكتاب كل من السياسيين والحكام والأدباء وغيرهم.
تعد كتب جورجي زيدان مرجع هام لعدد من الباحثين والمهتمين بتاريخ الأدب العربي في جميع عصوره، وغيرهم من الباحثين في مجال التاريخ الإسلامي أو في مجال التراجم.
وكان للكتب التاريخية نصيب كبير من الرصيد الأدبي الذي تركه جورجي زيدان، فكان من خلال هذه الكتب يقوم برصد التاريخ بشكل قصصي محبب للقراء فمر من خلال روايته على العديد من الأحداث التاريخية المؤثرة من خلال علاقات اجتماعية وعاطفية تشابكت مع الأحداث التاريخية في نسيج مدهش لينتج في النهاية رواية متكاملة تقدم المعلومة التاريخية في شكل مشوق بعيدا عن الملل، من هذه الروايات: " رواية المملوك الشارد" والتي تناول فيها الأحداث الخاصة بمذبحة القلعة وما نتج عنها من تفرق للعائلة والعديد من الأحداث التي وقعت إلى أن تم لم شمل الأسرة في نهاية الرواية ، " غادة كربلاء" وقام فيها بتناول الأحداث الخاصة بمقتل الحسين رضي الله عنه من خلال شكل روائي درامي يديره عدد من أبطال الرواية ، " أرمانوسة المصرية "، " فتح الأندلس"، " العباسة أخت الرشيد "، " الأمين والمأمون "، " شجرة الدر "، " استبداد المماليك"، " فتاة غسان "، " فتاة القيروان" وغيرها من الروايات التي تناول فيها الأحداث التاريخية فكان لا يتناول التاريخ بشكل جاف ولكن بأسلوب شيق يجذب القراء، ولقد حازت هذه الروايات على إعجاب الكثيرين ولاقت رواجاً هائلاً الأمر الذي أدى لترجمتها للعديد من اللغات مثل الفارسية والتركية وغيرها ليسهل على القراء الإطلاع عليها.
استعان جورجي زيدان بالعديد من المراجع التاريخية سواء العربية أو الغربية للتأكد من صحة المعلومة التاريخية التي يتعرض إليها من خلال كتبه وكانت تتنوع هذه المصادر سواء كانت شعبية أو استشراقية وغربية ومن هذه المراجع حسن المحاضرة للأسيوطي، تاريخ ابن إياس، تاريخ ابن جبير، تاريخ ابن الأثير، تاريخ التمدن الإسلامي، تاريخ المقريزي، كتاب الروضتين، تاريخ ابن خلدون، معجم ابن ياقوت، تاريخ الدولة السلجوقية، وغيرها الكثير من الكتب.
وفاته
قضى جورجي زيدان معظم فترات حياته بين الدراسة والاطلاع على الكتب التاريخية، والكتب الخاصة بتاريخ اللغة العربية بالإضافة لاطلاعه على العديد من الكتب الغربية نظراً لإلمامه بعدد من اللغات الأجنبية.
جاءت وفاة جورجي زيدان في 21 يوليو عام 1914م، وهو الأمر الذي أثر على عدد كبير من الشعراء والكتاب الذين قاموا برثائه منهم أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم وغيرهم الكثير .
جورجي زيدان في عيونهم
تناول العديد من الكتاب والنقاد الأدب الخاص بجورجي زيدان سواء بالنقد أو التحليل أو البحث كما أن هناك بعض الذين تناولوا السيرة الذاتية له: نذكر من هؤلاء عبد الرحمن صالح العشماوي وكتابه " وقفة مع جورجي زيدان"، سيد مؤنس في كتابه " مقدمة تحقيقه لكتاب تاريخ التمدن الإسلامي " وغيرهم الكثير. قام عدد من النقاد بنقد جورجي زيدان في الروايات التاريخية التي قام بتأليفها حيث اتهمه البعض بأن أبطال روايته يتسمون بالتشابه في الشخصيات والنمطية، وأنه تناول التاريخ الإسلامي في فترات الصراعات السياسية على السلطة والنفوذ ولم يهتم بذكر الأمجاد الموجودة فيه، كما يقال إن دراسته للتاريخ سطحية على الرغم من تعمقه في الجوانب الحضارية ووصفه الدقيق للحياة الشعبية وثقافة الناس وتقاليدهم، كما يضيف النقاد أن روايات جورجي زيدان في حاجة إلى وحدة فنية وتحليل نفسي منسجم، وارتباط سببي لحوادث الموضوع.