عبد الرحمن بدوي هو أحد أشهر الفلاسفة المصريين والعرب ومازالت مؤلفاته محط الانتباه وتدور حولها العديد من الكتابات والمحاضرات ، كما تعد مرجعا للكثير من الطلاب بأشهر الجامعات العالمية وعلى رأسها جامعة السوربون، عرف بدوي بغزارة إنتاجه فقدم للمكتبة العربية والعالمية أكثر من 150 كتابا تنوعت ما بين التأليف والترجمة والتحقيق، هذا بالإضافة لمئات المقالات، ويعد بدوي أول فيلسوف وجودي بمصر. وتمر في الخامس والعشرين من يوليو الذكرى السادسة لوفاة هذا الفيلسوف الذي أثارت أفكاره وحياته الكثير من الجدل في الأوساط الفكرية والثقافية.
نبوغ بالفلسفة ولد عبد الرحمن بدوي في الرابع من فبراير 1917 بقرية شرباص مركز فارسكور بمحافظة دمياط بمصر، لأسرة كبيرة العدد وكان ترتيبه الخامس عشر بين أخوته الواحد والعشرين، والده هو بدوي بدوي محمود من الأثرياء وعمدة القرية، أتم دراسته الابتدائية بمدرسة فارسكور عام 1929، ثم حصل على الكفاءة عام 1932 بمدرسة السعيدية بالجيزة، وحصل على البكالوريا عام 1934، التحق بدوي عقب حصوله على البكالوريا بكلية الآداب قسم الفلسفة جامعة فؤاد الأول - جامعة القاهرة حالياً- ، وأثناء فترة دراسته سافر في بعثة إلى كل من ألمانيا والنمسا، وبعد عودته تخرج من الجامعة حاصلاً على درجة الليسانس بامتياز في مايو 1938. عقب التخرج ونظراً لتفوقه تم تعيينه كمعيد بالجامعة وسعى من أجل الحصول على الماجستير وبالفعل حصل عليه في نوفمبر 1941 وكان موضوع رسالته عن " مشكلة الموت في الفلسفة الوجودية"، تلا ذلك حصوله على درجة الدكتوراه عام 1944، وجاءت رسالة الدكتوراه لبدوي تحت عنوان " الزمن الوجودي" والتي ناقشها معه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، والذي أبدى رأيه في بدوي قائلاً "لأول مرة نشاهد فيلسوفاً مصرياً ".
في شبابه
عين بدوي عقب حصوله على الدكتوراه كمدرس بقسم الفلسفة في إبريل 1945، ثم أستاذ مساعد 1949، وفي سبتمبر 1950 ترك بدوي التدريس ليقوم بإنشاء قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة إبراهيم باشا – عين شمس حالياً-، ثم أصبح أستاذ كرسي في يناير 1959. عمل بدوي كمستشار ثقافي ومدير للبعثة التعليمية في بيرن بسويسرا في الفترة ما بين مارس 1956 ونوفمبر 1958، وكانت له الكثير من المشاركات العلمية الفعالة في عدد من الدول العربية والأجنبية حيث قام بتأسيس قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة الكويت وطهران وطرابلس، وعمل كأستاذ زائر في العديد من الجامعات بكل من لبنان، ومعهد الدراسات الإسلامية بكلية الآداب – السوربون بجامعة باريس، الجامعة الليبية ببنغازي، كلية الإلهيات والعلوم الإسلامية بجامعة طهران، وأستاذاً للفلسفة المعاصرة والمنطق والأخلاق والتصوف بكلية الآداب جامعة الكويت. كان بدوي عضو في حزب "مصر الفتاة" في الفترة ما بين 1938- 1940، وعضو في اللجنة العليا للحزب الوطني الجديد 1944- 1952، وتم اختياره ممثلاً عن الحزب الوطني مع 50 شخصية كعضو في لجنة الدستور التي كلفت في يناير 1953 بكتابة دستور جديد، ولكن أهمل هذا الدستور وتم استبداله بدستور عام 1956.
أفكار صادمة نقرأ ما كتبه الصحفي المصري رضا هلال حول أفكار بدوي المثيرة للجدل : " تحوّلت مصر إلى "سجن كبير لا يسمح بالخروج منه إلا للسجانين"، هذا ما قاله بدوي في مطلع الجزء الثاني من مذكراته.
انتقد بشدة قرار تأميم قناة السويس
يتحدث د. عبد الرحمن بدوي عن الفساد الذي خرّب الجامعة في العهد الناصري، ويقول: إن الأساتذة كانوا يتنافسون في العمل بجهاز المخابرات، وكتابة التقارير لمكتب الأمن والمخابرات العامة والمخابرات العسكرية، وأصبحت المناصب تمنح لعملاء النظام وللموالين له. وهذا الذي حدث بمصر.
ينتقد قوانين الإصلاح الزراعي التي صادرت الملكيات الزراعية دون تعويضات للملاك. وتولى المشير عامر مهمة تصفية الإقطاع بالجيش والسلاح فكانت النتيجة هزيمة من أنكر الهزائم التي عرفتها مصر في كل تاريخها أمام جيش صغير لدولة من أصغر الدول في العالم ومن أحدثها، في 5 يونيو1967. وينتقد عبد الرحمن بدوي تأميم قناة السويس عام 1956.. ذلك أن امتياز شركة قناة السويس كان سينتهي.. فما كان علينا لو انتظرنا هذه الأعوام الأحد عشر؟ وإن كنا نريد اختصار المدة الباقية فما كان علينا إلا أن ندخل في مفاوضات مع الشركة.. لكن جمال عبد الناصر لم يكن يهمه من الأمر أية منافع اقتصادية بل كان يريد عملا سياسيا مفاجئا مثيرا يكفل له الدويّ حتى لو جر على مصر الخراب! وقد قام بعمله هذا بمفرده دون أن يستشير أحدا من زملائه ووزرائه. ويروي بدوي أنه ابتداء من عام 1956 كان يحكم الجامعة تنظيم أمني استخباري، إذ تنافس الأساتذة في كتابة التقارير عن زملائهم، وصارت المناصب الإدارية في الجامعة وقفا على عملاء الأمن. وبعد عام 1962 وجد بالجامعة تنظيم سري من العملاء الماركسيين أو المتجرين باليسارية والماركسية والشيوعية. وبالجملة كان الجو في الجامعة جو الجاسوسية الشاملة والإرهاب المتربص والوشاية المتحفزة. ويقول بدوي: لا بد للمرء أن يصاب بأقصى درجات الذهول وهو يسمع أو يقرأ تفاصيل ما ارتكبه زبانية جمال عبد الناصر من فظائع. بالنظر إلى فكر عبد الرحمن بدوي نجد أنه بدأ حياته مؤمناً بالفكر الوجودي والذي يمجد الإنسان ويعلي قيمته ويؤكد أنه صاحب تفكير وحرية وإرادة ولا يحتاج إلى موجه ويعارض كل ما يحد من حريته من الأفكار والغيبيات، والإيمان المطلق بالوجود الإنساني واعتباره أقدم شيء في الوجود، فيميل هذا الفكر إلى الإلحاد أحياناً، وقد قدم بدوي العديد من المؤلفات والترجمات التي تروج لهذا الفكر الذي وضع جملة "عش كأن لا إنسان عاش قبلك، وكأن لا أحد سيعيش بعدك" نصب عينيه.
من كتبه
وبالنظر إلى هذا التوجه الفكري لبدوي نجد أنه أثار الكثير من الدهشة في الأوساط الفكرية والفلسفية عندما قدم كتابيه "دفاع عن محمد صلى الله عليه وسلم ضد منتقديه"، و" دفاع عن القرآن ضد الطاعنين فيه" والصادر بالفرنسية، حيث كان الكتابان بمثابة انقلاب في فكره، بما فيهم من دفاع عن الرسول والإسلام.
وقال بدوي في حديث له مفسراً ذلك "إنني أزحف منذ بداية حياتي الفكرية على جبهتين، جبهة الفلسفة العامة بما فيها الفلسفة الوجودية، وجبهة الفكر الإسلامي، ولا أراني ظلمت جبهة على حساب الأخرى". ويقال أن للفكر الوجودي شقان شق إلحادي وشق إيماني وأن عبد الرحمن بدوي على الرغم من إيمانه بالوجودية، إلا أنه يحسب على الشق الإيماني فيه وليس الإلحادي، فقد أستغرق في أوضاع الإسلام والمسلمين في العالم، وأطلع على كتب المستشرقين الذين تناولوا قضايا الإسلام، وانتقد العديد منها والتي أفترى مؤلفيها فيها على الإسلام، وقام بالرد عليها بنفس الأسلوب الذين أتبعوه في استخراج الأحداث التاريخية فكشف ضلالهم.
نتاجه الأدبي أثرى بدوي المكتبة العربية والعالمية بالعديد من المؤلفات القيمة والتي وصلت إلى 150 كتاب، هذا بالإضافة للعديد من المقالات المنشورة باللغة العربية وعدد من اللغات الأجنبية مثل الفرنسية والأسبانية والألمانية والإنجليزية، صدر كتابه الأول عن "نيتشه" وتوالت أعماله بعد ذلك فقدم تراجم لعدد من الفلاسفة، بالإضافة لدراسات فكرية وإسلامية وتأريخ الفلسفة منها التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، وربيع وخريف الفكر اليوناني، وتحقيقات للتراث، ومنها كتاب الطبيعة لأرسطو.
من كتبه
وقدم بدوي العديد من الترجمات عن عدد من اللغات مثل الألمانية والفرنسية، بالإضافة للموسوعات كموسوعتي الفلسفة والمستشرقين، كما نشر باللغة الفرنسية والأسبانية والإيطالية وله إسهامات في الشعر والأدب. بدأ بدوي كتابة المقال عام 1938 وكانت أولى مقالاته في جريدة " لا بورص إجيبسيان" بالفرنسية ثم تابع نشر مقالاته في جريدة مصر الفتاة في نفس العام وتوالت أعماله فنشر له مقالات في عدة من المجلات العربية الكبرى. نذكر من مؤلفاته القيمة: نيتشه، شوبنهاور، أرسطو عند العرب ، التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، خريف الفكر اليوناني، ربيع الفكر اليوناني، الزمان الوجودي، شخصيات قلقة في الإسلام، الإنسانية والوجودية في الفكر العربي، المثل العقلية الأفلاطونية، منطق أرسطو - في 5 أجزاء، شهيدة العشق الإلهي رابعة العدوية، شطحات الصوفية (أبو يزيد البسطامي)، روح الحضارة العربية، الإنسان الكامل في الإسلام، في الشعر الأوروبي المعاصر، فضائح الباطنية لأبي حامد الغزالي، الخوارج والشيعة، تاريخ الإلحاد في الإسلام هذا الكتاب الذي تطرق فيه إلى تاريخ المشككين في التاريخ الإسلامي مثل الفيلسوف الراوندي وعالم البصريات الحسن بن الهيثم إبان العصر العباسي وغيرها العديد من المؤلفات الهامة.
وفي عام 2000 قام بدوي بتقديم مذكراته في كتاب ضخم كان لصدوره تأثير هائل مثير للجدل في الأوساط الثقافية، نظراً لقيامه بمهاجمة عدد من المثقفين ورموز الفكر من العرب، بالإضافة لمهاجمته لفترة حكم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، ومما قاله معلقاً على المشاركة الجماهيرية الكبيرة في تشييع جنازة عبد الناصر بأن هذا " أمر عادي ولا يمت بصلة إلى وجود علاقة حب بين المصريين وعبد الناصر" مشيراً إلى أن " هذه هي طبيعة شعب هوايته المشي في الجنازات"، وغيرها العديد من الانتقادات سواء لعبد الناصر أو لغيره من الرموز السياسية والفكرية. ومن المقالات الهامة التي نشرها بدوي مقالاتي " المعنى الإنساني في رسالة النبي"، هذه بلاد الإقطاع..خزانة الدولة في جيب السلطان". ونظراً للقيمة التي تمثلها مؤلفات بدوي والتي أبحر فيها في مختلف أنواع الفلسفية والاجتماعية، فقد أخذت جامعة السوربون في باريس بعض من مؤلفاته لتكون مادة يدرسها الطلاب المتعمقين في فلسفة العصور.
نال بدوي تقديراً لجهوده الفلسفية العديد من الأوسمة منها وسام "الأرز" من حكومة لبنان عام 1949 وجائزة الدولة التشجيعية في الفلسفة الإسلامية عام 1961، وكان أول من حصل على جائزة مبارك في العلوم الاجتماعية عند إنشائها عام 1999 وحصل عليها في نفس العام في فرعيها الآخرين نجيب محفوظ وصلاح طاهر.
توفى في مستشفى معهد ناصر بالقاهرة 25 يوليو 2002 عن عمر يناهز 85 عام وكان قد عاد إلى مصر من فرنسا قبل وفاته بأربعة أشهر، والتي كان قد أستقر بها منذ عام 1962عقب تأميم ثورة يوليو لأملاك عائلته.