تيوليب •° نائبه المدير °•
عدد مساهماتى |♥ : 4846 تاريخ ميلادى |♥ : 27/11/1965 تاريخ تسجيلى |♥ : 09/01/2011 موقعى |♥ : www.elfagr.ahlamontada.net/
| موضوع: قرات لك مراحل تاريخية من حضارة وادي الرافدين الثلاثاء يونيو 07, 2011 10:44 pm | |
| وضع شعب بلاد الرافدين خلال فترة ما بين سقوط بابل وقدوم المسيحية:
إن الفترة التاريخية ما بين سقوط بابل ونينوى وقدوم المسيحية هي فترة مضطربة وغير واضحة المعالم تقريبا لكونها فترات حروب وتناطح السلطات الأجنبية فيما بينها للاستيلاء على منطقة الرافدين الاستراتيجية، وفترة ثورات وتمردات من السكان الأصليين، فبعد سقوط نينوى فر عشر من قواد الجيش ببعض فرقهم إلى أطراف المملكة "منطقة الرها"وشكلوا هناك مملكة عسرايا أي مملكة القواد العشر، ويذكر التاريخ أن هذه المملكة الصغيرة تحالفت مرات عديدة مع الفراعنة من اجل استعادة نينوى سلطة بلاد الرافدين من الفرس، كما قامت عدة ثورات في بلاد الرافدين إلا أنها فشلت، وقد بقي بعض ملوكها حتى عهد السيد المسيح، ومنهم ابجر الخامس الذي يقال انه راسل السيد المسيح وطلب منه أن يسكن في مدينته.
فبعد سقوط بابل بيد كورش لم يحاول كورش أن يحنث بوعده للكهنة، فترك لهم حرية ممارسة الشعائر الدينية والعبادة واحترم آلهتهم فكان أن ضمن خضوع الكهنة له خضوعا كاملا وكان يحصل على جميع الضرائب بسهولة من خلالهم، إلا أن فترة حكم الفرس للرافدين لم تدم طويلا، إذ أن مطامع أوروبا من تلك الفترة كانت تتجه إلى الشرق، فكانت حروب الاسكندر المكدوني واحتلال بلاد الرافدين بالكامل وسقوط داريوس صريعا في إحدى الحروب قرب اربيل الحالية عام332 ق.م نهاية للوجود الفارسي في بلاد الرافدين لفترة طويلة استمر خلالها حكم اليونان لهذه المنطقة.
وبما أن بقايا رعايا الدولة الآشورية كانوا يملئون هذه البلاد فكان أن أطلق تسمية Assyrian على الشعب القاطن في بلاد الرافدين لعدم وجود حرف الشين في اللغة اليونانية، وحرف الشين في اللغات الأوروبية الحديثة مركب من حرفين هما "c-h" تمييزا له عن غيره فعمت هذه التسمية على جميع الفئات دون تمييز بين فئة وأخرى أي بين ساكني مناطق بابل أو نينوى أو الجبال العالية، فأصبحت تسمية حكومية عامة لجميع سكان بلاد الرافدين، وقام سكان الرافدين بترجمتها إلى لغتهم الآرامية باسم "ܣܘܪܝܝܐ" وذلك بسبب عدم وجود أل التعريف في بداية أسماء الأعلام لهذه اللغة، فعمت تسمية سريويه أو سريايا على جميع سكان بلاد الرافدين دون تمييز "لان عادة حذف الهمزة من أول الاسم معهودة عند العرب والسريان واليونان كما تبين فقد تحول الاسم إلى سريان من آسريان ومنذ فجر النصرانية اعتاد السريان بل اتخذوا لفظة سوريا الموجزة للمعنى الديني ولفظة سوريايا للمعنى الوطني".
وقد تطورت لغتهم أيضا تطورا كبيرا خلال هذه الفترة من حيث النحو والتطبيق والصرف وعرفت بالسريانية "ܠܫܢܐ ܣܘܪܝܝܐ" نسبة إلى التسمية التي اتخذها الشعب بالكامل.
وبعد موت الاسكندر المقدوني وانقسام الإمبراطورية المكدونية إلى قسمين كان نصيب سكان الرافدين ضمن سلطة السوقيين خلفاء "الاسكندر المقدوني"إلى أن جاء الكاشيون عام 250ق.م وأسسوا ممالك مستقلة في المدائن وغيرها إلى أن قويت شوكة ملوك الفرس من جديد.
فانقض اردشير بن بابك في جيوش جرارة على سهول ما بين النهرين وارزون وبازبدي وبابل وظفر بارطبان آخر ملوك الفرثيين ونصب كرسيه في المدائن".
وان التواريخ التي تبحث في حياة السريان وواقعهم الاجتماعي نادرة جدا حتى بدء الديانة المسيحية بالانتشار في هذه المنطقة أي في القرن الأول الميلادي، عندئذ بدا بتأريخ حوادث السريان المسيحيين في الأديرة والكنائس على الأغلب، "ولم يبق لنا من أدب هذه الفترة كتابات مدونة إلا القليل جدا واغلبها كان في الرها لكونها مملكة مستقلة واهم هذه المدونات كتابات بعض القبور وتأريخ فيضان نهر ديصان وما نتج عنه ثم رسالة مارا بن سارابيون من السجن إلى ابنه وهي رسالة أدبية وجملة نصائح يقدمها إلى ابنه.
ـ اعتناق السريان إلى الديانة المسيحية حتى الانشقاقات المذهبية:
يقول التاريخ أن منطقة بلاد الرافدين وسكانها السريان عرفوا المسيحية منذ القرن الأول الميلادي أو بداية القرن الثاني قبل الميلاد حيث يذكر المؤلف مشيخا زخا صاحب تاريخ اربيل يخبرنا في تاريخه "مما يؤيد أن السريان اعتنقوا المسيحية منذ عهدها الأول، "ويرد ذكر الآشوريين كأوائل الناس الذين اعتنقوا المسيحية على يد مار ماري ومار ادي في القرن الأول للميلاد إلى كرخا دبيث سلوخ، كركوك في شمال العراق".
كان للاضطهاد والمضايقات التي لاقاها أحفاد الدولة الآشورية دور كبير في البحث عن وسيلة للاحتجاج ضد الظلم الاجتماعي الذي كان يمارس بحقهم من قبل الروم والفرس الذين كانوا يتقاسمون بلاد الرافدين، فكان قدوم المسيحية خير وسيلة لذلك، لذا انضوى جميع السريان المنحدرين من أصول الحضارة الآشورية البابلية تحت لواء المسيحية، ولأول مرة توحد أحفاد الدولة الآشورية منذ سقوط سلطتهم السياسية عام 539 ق.م وان كان اتحادهم هذا تحت صفة دينية، فاصبح للسريان الآشوريين قيادة واحدة يخضع لها الجميع دينيا ويطيعونها مدنيا فكانت هذه القيادة بمثابة إدارة دينية اجتماعية متكاملة.
وقد كان لانتشار المسيحية بين اتباع الإمبراطورية الرومانية ويأس الإمبراطور الروماني من اضطهاد المسيحيين ضمن سلطته وبعد أن كثر عددهم وازداد بشكل مخيف، أعلن الإمبراطور الروماني اعتناقه للمسيحية، وبذلك ضمن الولاء الكامل لاتباع إمبراطوريته وخضوع ومساعدة الكهنة لأوامره، فكان لهذا القرار تأثيرا سلبيا على السريان القاطنين ضمن فارس حيث ذاقوا الأمرين، لان الفرس اعتبروا السريان أحفاد الآشوريين القاطنين ضمن سلطتهم عملاء روما لاتفاقهم في عقيدة دينية واحدة مع الرومان، وان كانت هناك خلافات و تمردات دينية في بعض المناطق أدت إلى بعض الانشقاقات الدينية أحيانا.
وقد تخوف الرومان في الفترة الأخيرة من الإدارة الواحدة للسريان في بلاد الرافدين من ظهور قادة سياسيين يغتنمون فرص معينة لإعادة أمجاد أجدادهم الآشوريين والبابليين، وخوفا من ضياع هذه البلاد من أيديهم وللأبد.
لذا فقد سعى القادة الرومان إلى تفتيت شملهم وبأية وسيلة كانت وضربهم بعضهم ببعض، وحين أدركوا أن الإدارة الدينية وحدتهم فقد أدركوا انه لا يمكن تفريقهم إلا من خلال هذه الإدارة نفسها، وبالأخص وان شعب الرافدين هو شعب متدين منذ اقدم العصور، فبدؤوا بمحاولة الاستفادة من خلافات بعض رجال الدين لخلق تفسيرات دينية لمعاني الكتاب المقدس وقام الأباطرة الرومان برعاية المجامع الدينية وتوجيهها حسبما تقتضي رغباتهم، فحدث الشقاق الديني المشهور في تاريخ الكنيسة السريانية عندما قدم نسطور أفكارا جديدة انعقد على آثرها مجمع مسكوني أدى إلى تحريم نسطور واتباعه وقام نسطور أيضا من جانبه بتحريمهم "الحرومات المتبادلة بين نسطور وكريلس"، وذكر مار رابولا الرهاوي في رسالته إلى مار كريلس الإسكندري إن أسقفا من قيليقية قال أن العذراء مريم ليست والدة الإله فتبناها نسطور.
وكان لهذا الشقاق وهذه الحرومات دور كبير في تمزيق شمل وحدة السريان إلى عدة مذاهب متفرقة بل متفرقة بل متآمرة بعضها ضد بعض فقد طرد الإمبراطور زينون عام 439 م اتباع نسطور من البلاد الواقعة تحت سلطتهم فلجا هؤلاء إلى فارس واستطاع بار صوما أن يقنع فيروز بأنهم هجروا الإمبراطورية البيزنطية لسوء المعاملة التي لاقوها، ولذا رحبت بهم فارس ورأت فيهم فرصة حيدة لإنشاء جواسيس من هذه المذهب ضمن الإمبراطورية الرومانية هكذا فعل الرومان أيضا فانقسم السريان إلى شرقيين مركزهم ضمن السلطة الفارسية "واعتبر فيروز النسطورية دينا لجميع الآشوريين واخذ مؤيدو نسطور يجبرون الآشوريين بالنار والحديد على تقبل تعاليم نسطور".
"وغربيين يتواجد اغلبهم ضمن سلطة الروم وتحول بعض رجال الدين من اتباع كلا المذهبين إلى مثابة جواسيس وعملاء لكلا السلطتين ضد أبناء قومهم من أصحاب المذاهب المخالفة لهم "،وقد بقيت أحوال أبناء الكنيسة السريانية على هذه الحال بين مد وجزر، "كما لاقى بعدئذ أيضا أصحاب الطبيعة الواحدة (اليعاقبة) اضطهادا من قبل الإمبراطور يوسطينيوس الأول عام518م وكنيسة الدولة ولكنهم لم يهجروا الإمبراطورية البيزنطية وبقوا فبها كتلة ساخطة اشد السخط".
وقد أبدع السريان خلال فترة القرون الأولى للمسيحية أدبا لاهوتيا وفلسفيا رائعا، فقد بدأه طاطيان المولود في بلاد اشور في أوائل القرن الثاني للميلاد /بالدياطسرون/ وهي ترجمة الأناجيل الأربعة بالسريانية مضمونها وما أضافه عليها ثم تلاه مليطون السرديني وبرديصان ومدرسته بنهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث، وقد برز من اشهر المؤرخين وكتاب السريان في القرنين الثالث والرابع "مار افرام السرياني"،الذي خلف مجموعة ضخمة من الأعمال الأدبية والدينية والفلسفية والتاريخية من شعر ونثر، وقد أرّخ حوادث حصار نصيبين من قبل الفرس شعرا من عام 350-370م كما كان قد أقام أكاديمية في نصيبين ثم هجرها إلى الرها بعد أن استولى عليها الفرس وأسس هناك أكاديمية أخرى، ويبلغ ما تركه مار افرام من اثر ثلاثة ملايين من الأسطر شملت مختلف نواحي الحياة.
وأثناء الانشقاقات المذهبية قدم السريان أدبا رائعا في جميع مناحي الحياة وبالأخص خلال المجادلات الدينية التي جرت بين النساطرة واليعاقبة، وقد كان للمدارس التي انشاوها في كل من نصيبين والرها وجنديسابور وقنسرين، دور كبير في نبوغ الادباء والعلماء الكبار مثل يعقوب النصيبيني وبار صوما ونرسي ويعقوب البرادعي، ومن العلماء سرجيس الرأس عيني وغيره، ومن كتاب التاريخ يشوع العموني وتاريخ الرها للمؤلف المجهول ويوحنا الافسسي وزكريا المدلل فان كان الانشقاق الديني قد خلق هوة عميقة بين أبناء السريان عجز الزمن حتى الآن من محو آثارها السلبية وكانت سببا في شتاتهم وتمزقهم، فإنها أبدعت أذهانهم بروائع الأدب الفكري والاجتماعي شغلوا به الشرق بالكامل اكثر من ثمانية قرون متتالية، وقد التحقت فيما بعد قسم آخر من السريان بكرسي الكنيسة البيزنطية وعرفوا بالسريان الملكيين ومن ثم بالروم الكاثوليك، وقد تناسوا اللغة السريانية والارتباط بالتاريخ نهائيا في الوقت الحاضر تقريبا.
يتبع .. | |
|
تيوليب •° نائبه المدير °•
عدد مساهماتى |♥ : 4846 تاريخ ميلادى |♥ : 27/11/1965 تاريخ تسجيلى |♥ : 09/01/2011 موقعى |♥ : www.elfagr.ahlamontada.net/
| موضوع: رد: قرات لك مراحل تاريخية من حضارة وادي الرافدين الثلاثاء يونيو 07, 2011 10:46 pm | |
| خضوع بلاد الرافدين للدولة العربية الإسلامية:
كان للصراع الدائر بين الروم والفرس تأثير سلبي كبير على الحياة الاجتماعية وحياة الاستقرار للسريان المنحدرين من أصول الحضارة الآشورية البابلية، فقد ساهمت هذه الحروب التي استمرت عدة قرون في تحطيم حياة الاستقرار وخلق البلبلة والفوضى في حياتهم لكونهم كانوا يقطنون بوسط المعارك، فمدينة نصيبين كانت حدودا فاصلة بين الدولتين، وهذا ما أدى إلى كره السريان ويأسهم من كلتا الدولتين، فكانوا يطمحون إلى التخلص من هذا الاستبداد بأية وسيلة كانت، لذا عندما جاءت الجيوش العربية الإسلامية عام637 م إلى بلاد الرافدين رحب بها السريان الشرقيين منهم والغربيين أملا في التخلص من واقع الظلم والاستبداد الذي ذاقوه من قبل الفرس والروم مئات السنين، وقد حصلوا فعلا على عهود بالأمان من قادة جيوش المسلمين ومن الخلفاء.
"وقد انضم بعدئذ قسم من السريان المسيحيين إلى الديانة الإسلامية الجديدة منذ بداية وصولها مثل"الطي، والتكارتة، في جنوب بلاد الرافدين، بعضهم طمعا في المغانم التي يحصل عليها المسلم من الحروب، وبعضهم الآخر تهربا من تصرفات بعض رجال الدين ومما لاقوه على أيديهم من ويلات، وبعضهم بسبب عجزهم عن دفع الجزية التي كانت تفرض على غير المسلمين كضريبة حماية".
وهناك بعض أحفاد الآشوريين البابليين الذين حافظوا على معتقداتهم الدينية القديمة ولم يدخلوا المسيحية ولا الإسلام وهم الصابئة أو المندويين القاطنين في جنوب الرافدين وقد اتصل السريان الشرقيين بالرسول العربي من اجل التعاون على طرد الروم والفرس من بلادهم "ولما اشتهر أمر النبي محمد ودعوته راسله بطريرك السريان النساطرة /ايشوع هيب الثاني الجدلاني/ بغية التفاهم على طرد الروم والفرس من بلاد السريان.
وقد أثار المستشرق لوك في كتابه "الموصل وأقلياتها" إلى هذا التفاهم بقوله: "إن النبي العربي قطع عهدا للشعوب السريانية بالمحافظة على حرمة جميع المراكز الدينية وإعفائها من الجزية إذا اجتاح تلك البلاد".
وقد احتفظ السريان الشرقيين بوثيقة العهد التي قطعها لهم الرسول العربي في أديرتهم حتى الحرب العالمية الأولى. وجاء في تاريخ الأدب السرياني "إن ايشوعهيب الثاني قام بنشاط عظيم عندما حاصر المسلمون بابل ووقع على شروط الصلح لتكون منطقة بابل لصالح المسيحيين وجدد وثيقة العهد عمر بن الخطاب، كما يتطرق ابن العبري أيضا في كتابه تاريخ الكنيسة إلى هذه الوثيقة، ويذكر المطران يوحنا دولباني في تاريخ دير مار كبرييل "في عام 640 قدم عياض بن غنم إلى آمد ونصيبين وطور عبدين ومارين فدخلها صلحا بدون حرب وقد أعطاهم مار كبرييل مطران طور عبدين طريقا وساعدهم ثم زار في الجزيرة أميرهم واخذ عهدا وبراءة بتوقيع أميرهم وعلى الأرجح هو عمر بن الخطاب، بمنحهم حرية إقامة الشعائر الدينية والاحتفالات وترميم الكنائس والأديرة وإعفائها من الجزية وتعهد بحماية ديارهم، إلا أن بعض الحكام المسلمين بدؤوا بمضايقة السريان بالضرائب والإكثار من الجزية وبالأخص في عهد أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي.
"ففي بداية القرن التاسع الميلادي اصطدم معهم ديونوسيوس التلمحري مرات عديدة".
وقد اقتصر دور السريان الاجتماعي والثقافي في بداية عهد الإسلام على الأمور الدينية فقط، بل إن نشاطهم الاجتماعي والثقافي والأدبي والعلمي برز بشكل خاص بنهاية العصر العباسي، "إن علماء السريان وأدبائهم على اختلاف مذاهبهم قضوا اكثر من مائة عام في ترجمة العلوم القديمة من السريانية واليونانية والفارسية إلى العربية وبفضل جهودهم وأوضاعهم العلمية والثقافية جعل السريان من الشرق منارة وضاءة كانت أساسا للمدنية الغربية الحالية، وازدهر الشرق مدة ثلاثة قرون بمدنية ناضرة 650-950 م".
وقد استعان العرب المسلمون بالسريان وبالأخص الشرقيين مثل سمعان بن الطباخين وغيره في ترتيب أمور الدولة وتنظيم الأجهزة الإدارية وتنظيم الحياة الاجتماعية والثقافية والعلمية ومن اشهر علماء السريان الذين أتحفوا الإنسانية بعلومهم حنين بن اسحق وأبي بشير ويوحنا بن جلاد ويحيى بن عدي والكندي وآل بختيشوع وغيرهم، الذين ألفوا وترجموا ونقلوا مختلف العلوم من طبية وفلكية وعلمية ومن اللغات السريانية واليونانية والفارسية إلى اللغة العربية أتحفوا المكتبة العباسية بمصنفاتهم وعلومهم، ولم يدم هذا الازدهار الثقافي بسبب فقدان العرب السلطة وسيطرة الأجانب عليهم وحتى بيت الحكمة (المكتبة العباسية) كان يديرها السريان الشرقيين وان وظيفة طبيب الخليفة كان يشغل دائما من قبل طبيب سرياني.
وقد كان لتدهور سلطة الدولة العربية الإسلامية وغزو التتار والمغول لبلاد الرافدين دور كبير في اضطهاد السريان أحفاد الآشوريين والبابليين والآراميين عامة، وقد عانوا الأمرين من جراء الظلم والاضطهاد والتدمير وتخريب الأديرة وحرق المصنفات والكتب الدينية والتاريخية، وبالرغم من اضطراب حبل الأمن في مناطق سكنى السريان أحفاد الدولة الآشورية فقد ظهر بعض العلماء المشهورين من أمثال يوحنا المعدني وميخائيل الكبير وأبي الفرج ابن العبري وموسى بن كيفا ويعقوب ابن الصليبي والقرداحي وعبد يشوع الصوباوي والرهاوي المجهول وداود الفينيقي وغيرهم، وقد كان لهم دور كبير في نشر الثقافات الأدبية والفلسفية وعلوم الطب والرياضيات والهندسة وغيرها، وقد نشر هؤلاء مختلف الكتب والمقالات الدينية والفلسفية التي كان لها دور كبير في نمو الوعي الفكري في عصر الظلمات والتخلف والجهل الذي نشرته الشعوب الغازية التي دمرت معالم الحضارة في الشرق بالكامل تقريبا، وهكذا بنهاية القرن الخامس عشر يخفت نور العلم والأدب عند السريان في الشرق بعد أن حل بدل لغتهم السريانية الأدبية اللغة العربية لغة الفاتحين الجدد، ولكونها لغة حكام الدولة ولغة الدين الجديد، بعد أن بقيت هي اللغة العلمية والأدبية في الشرق لأكثر من ألفي سنة متتالية.
ـ السريان منذ بداية الخلافة العثمانية وحتى بداية الحرب الكونية الأولى:
تعتبر فترة الاحتلال العثماني وما تبعها منذ عام 1515م مرحلة حرجة بالنسبة لأبناء الرافدين عامة ولأبناء الكنائس السريانية خاصة، فقد تميزت الفترة بالاضطرابات والمضايقات الدينية العنيفة وتأليب الاقليات القومية بعضها ضد بعض ونشر الفتن القلاقل فيما بينها، ولان الفكرة الاستعمارية الأوروبية نهضت من جديد باتجاه الشرق، ولكن بأساليب وطرق جديدة تختلف عن السابق، وبالأخص فان الدولة العثمانية كانت دولة متخلفة من جميع النواحي فتلاعبت بها سياسة الدول الأوروبية وتضاربت المصالح الاستعمارية لهذه الدول في تركة الرجل المريض، وهي من جهتها بدأت تزيد المضايقة على السريان الذين يعتنقون العقيدة المسيحية المشابهة لعقيدة هذه الدول وكان من جراء هذا الاضطهادات والمضايقات أن اسلم قسم كبير من السريان وبالأخص في طور عبدين حيث اعتنق الإسلام حوالي عشرة الاف شخص دفعة واحدة وهم المحلمية، وهي منطقة تقع بين ماردين ومذياد وكان ذلك عام 1609م ويظن البعض المؤرخين أن ذلك تم عام 1583م، "حوالي سنة 1609م (ويظن في سنة1583م) كثرت المظالم والمضايقات على المسيحيين من قبل الحكام الأتراك الظالمين، اضطرت قبائل المحلمية، ومنها استل والراشدية والكاشية وصورا والاحمدي ورشمل وقبالا ولاشيتية فاعتنقت الإسلام تخلصا من الظلم".
وان كانت الأحداث التاريخية التي مر بها السريان قاطبة غير مدونة بشكل كامل وذلك لكثرة الاضطهادات والمآسي التي عانوها أو أن ما دون منها اتلف واحرق بسبب المحن التي ألمت بهم خلال هذه الفترة، وكما قلنا فقد سال لعاب الاستعمار الأوروبي من اجل نهب خيرات وثروات الشرق فحاول بشتى الوسائل أن يجد له موطئ قدم في هذه المنطقة، فكان أن أرسل المبشرين منذ عام 1550م ليبشروا بمذاهبهم المختلفة، فكان لكل دولة مبشريها المختصين بها حيث كانوا يحصلون أيضا على فرمانات من الحكومة العثمانية تسمح لهم بنشر مبادئهم الدينية بين المسيحيين ضمن سلطاتها فكانوا يمارسون كافة وسائل الترغيب والترهيب بحجة العودة إلى الدين الصحيح، وللعلم فان هؤلاء المبشرين لم ينشروا مذاهبهم تلك إلا بين المسيحيين فقط أي انهم لم يفكروا بإهداء غير المسيحيين لهذه المبادئ القويمة التي يدعون لها، فكان أن تحولت هذه المذاهب الدينية إلى بسمار جحا فكان كلما رأت إحدى الدول الأوروبية إن مصلحتها الاستعمارية تضررت في الشرق كانت تتدخل بحجة حماية المسيحيين التابعين لها (أي المنتمين إلى مذهبها الديني). وبالطبع فان هذا كان يخلق ردود أفعال عكسية لدى شعوب المنطقة ضد المسيحيين ومن قبل الدولة العثمانية أيضا وكانوا يدفعون ثمن السياسة اللاإنسانية التي كانت تتبعها الدول الاستعمارية الأوروبية باتجاه الشرق، دون ذنب إلا لكونهم من دين تلك الدول، ليس هذا فقط بل انه في كثير من الأحيان كان يلجا بعض المبشرين إلى نشر الفتن وتأليب الأكراد ضد المسيحيين الذين لا يقبلون بمذهبهم الديني للضغط عليهم أو إرغامهم للجوء لطلب مساعدتهم ولقبول مذهبهم الديني وهذا ما حصل في عدة مناطق وبالأخص في هيكاري واورميا.
"وقد قام المبشرون الكاثوليك بشتى الوسائل لتحقيق غاياتهم فكانوا يشترون ذمم البيكات الأتراك والشيوخ الأكراد لكي يقوم هؤلاء بتحطيم ومحو الآثار الآشورية من معابد وكنائس في مناطقهم".
ولم تقف المآسي التي عاناها السريان عند هذا الحد فقط بل إن ما زاد الطين بلة أيضا انقسام المذاهب الدينية أيضا إلى عدة أقسام، فانقسم السريان الشرقيون (النساطرة) وكذلك السريان الغربيون (اليعاقبة) وكذلك السريان الملكيون، فانقسمت الأمة إلى ملل متفرقة، هذا عدا المذاهب البروتستنتية للمبشرين الأمريكان التي جاءت بعدئذ لتزيد الانقسام والتجزئة فيما بينها من جديد "لم تقف المصيبة عند هذا الحد بل توارثتها الأجيال التالية حتى استفحل في الجيلين السادس عشر والسابع عشر عندما انتظر السريان النساطرة إلى آشوريين وكلدان، وانقسم السريان اليعاقبة إلى سريان أرثوذكس وسريان كاثوليك، وانقسم السريان الملكيون إلى روم أرثوذكس وروم كاثوليك ". ومنذ تلك الفترة حاولت كل ملة أن تنفرد بتسميتها الخاصة دينيا، حتى إن هذه التسمية أخذت اتجاها قوميا خاصا، فتناسى الآشوريون السريان التسمية الأصلية وهي الآشورية، والسريانية التي اشتقت منها كتسمية لبقايا أبناء هذه الحضارة، بل أن كل فئة بدأت تأخذ تسميتها على أساس مذهبي ديني حتى طائفة السريان الشرقيين التي اتخذت التسمية (الآشورية) الصحيحة كانت تنظر إليها من زاوية مذهبية دينية بحتة وقد تبعتها في نهاية القرنين الثامن والتاسع عشر البعثات التبشيرية الأمريكية والانكليانية والكنيسة السلافية الروسية، وقد حاول هؤلاء الوصول بأقرب الطرق إلى قلوب الآشوريين فتبنوا اللهجة العامية (السوادايا) وطبعوا بها مطبوعاتهم ومنشوراتهم وحتى الانكليكان في بداية القرن التاسع عشر انشأوا مطبعة في إيران تطبع الكتب بلهجة السوادايا، ويقول ماتفيف في كتابه: لقد صدر اكثر من 110 ألف مطبوع دعائي باللغة الآشورية (السوادايا) خلال اقل من 40 عاما، ومنذ عام 1837م وحتى عام 1873م صدر في إيران 110ألف مطبوع دعائي باللغة الآشورية وفي عام1851م اصدر المبشرون مجلة زاريري دبهرا (أشعة النور).
ولم تحقق البعثات التبشيرية الأوروبية نجاحا كبيرا في مناطق طور عبدين لم يتقبلوا هذه المذاهب الجديدة وبالأخص في القرى عدا عدد قليل في ماردين ومذيات ويقول الأب اسحق أرملة أن عدد الكلدان ويقصد بهم الكاثوليك لم يكن يتجاوز 1700 شخص في طور عبدين كلها "ومطرانهم يرعى الكلدان الموجودين في نصيبين ومذيات وكفرجوزة وويران شهر ويبلغ عددهم 1700 نسمة".
أما السريان الكاثوليك فان عددهم كان ضئيلا جدا وقد اتحد بعضهم دينيا مع الأرمن الكاثوليك وآخرون مع الكلدان، ولم تحقق البعثات الكاثوليكية كما قلنا نجاحا يذكر وذلك بسبب عناد بطاركة السريان وسيطرتهم الكاملة على أبناء كنيستهم بالرغم من الخلافات التي عرفتها هذه الكنيسة فيما بينهم والتي كانت سببا في انضمام ما انضم من أبنائها إلى المذاهب الكاثوليكية والبروتستنتية فيما بعد.
ولم ينشر المبشرين الأوروبيين مدارس ومطبوعات كما فعلوا في إيران واوروميا وهيكاري، لذا كان تأثيرهم طفيفا جدا في هذه المناطق وقد مر المسيحيون عموما والسريان خصوصا في طور عبدين وامد بمآس كبيرة عام 1895م، إذ نشبت الاضطهادات ضد الأرمن في أرمينيا ومن هناك انتقلت بسرعة إلى طور عبدين وما جاورها فكانت فرصة اغتنمها البيكاوات الأتراك وزعماء العشائر الأكراد في المنطقة من اجل النهب والسلب والتدمير والقتل، فقد امتدت هذه الأحداث إلى ديار بكر وقراها السعدية وميافرقين وقره باش وقطربل ثم انتقلت المذابح إلى الرها وتل أرمن والكولية (القصور) وبنابيل وقلعة المرآة والمنصورية ودير الزعفران وماردين وويران شهر وديركة ونصيبين ومذيات وما جاورها...، إلا انهم لم يتمكنوا من تحقيق مآربهم وبالأخص في المناطق الأخيرة حيث لاقى السريان مساعدة في حدود نصيبين من الشيخ عبد الرحمن شيخ قبيلة طي الذي هزم زعماء الأكراد في نصيبين ويقول المؤلف "انهم وصلوا إلى مذيات يوم الأربعاء 20 تشرين الثاني فهب الأهالي والجنود لمحاربتهم فخابت آمالهم".
إن مجمل الأحداث والنكبات التي ألمت ببلاد الرافدين والتي عانى منها أحفاد الآشوريين بمختلف طوائفهم لم تفسح لهم المجال لنمو ونشوء الوعي الثقافي أو إنشاء مدارس وأكاديميات علمية إلا أنها خلقت شعورا بالمرارة والألم وإحساسا بالمصير المشترك لهم جميعا سواء أكانوا ينتمون إلى المذاهب والطوائف الآشورية أو الكلدانية أو السريانية الأرثوذكسية أو السريان الكاثوليك وبدا يتطور نوعا ما لديهم الإحساس بالشعور القومي و بالأخص بعد أن زادت علاقاتهم بالثقافة الأوربية وما لاحظوه من نمو الوعي القومي فيها.
يتبع . .
| |
|
تيوليب •° نائبه المدير °•
عدد مساهماتى |♥ : 4846 تاريخ ميلادى |♥ : 27/11/1965 تاريخ تسجيلى |♥ : 09/01/2011 موقعى |♥ : www.elfagr.ahlamontada.net/
| موضوع: رد: قرات لك مراحل تاريخية من حضارة وادي الرافدين الثلاثاء يونيو 07, 2011 10:47 pm | |
| واقع الآشوريين خلال الحرب العالمية الأولى بمختلف طوائفهم سريان غربيين وسريان شرقيين:
لقد عانى شعبنا بمختلف طوائفه مآس حقيقية يعجز قلم الكاتب عن وصفها، وان كانت الأسباب الظاهرية لهذه المآسي دينية إلا أنها في الحقيقة كانت ذات أبعاد قومية، وكما نعلم أن أسباب الحرب الكونية الأولى هي أسباب استعمارية بحتة وصراع ما بين البرجوازيات الأوروبية من اجل الحصول على مكاسب مادية في الشرق، فان نتائج هذه الحرب انعكست سلبا على الأقليات القومية بشكل عام وعلى أحفاد الآشوريين من سريان شرقيين وسريان غربيين بشكل خاص وقد كان لذلك أسباب عدة.
فكما نعلم أن الحرب كانت دائرة ما بين كتلتي الحلفاء والمحور وقد انضمت تركيا لكتلة المحور التي كانت تضم ألمانيا والنمسا ضد روسيا وبريطانيا وفرنسا، وقد ساهمت ألمانيا مساهمة كبيرة في المذابح التي تعرض لها أبناء شعبنا فكما نعلم أن الغالبية العظمى من سكان طور عبدين هم سريان أرثوذكس وان الكنيسة الروسية هي كنيسة أرثوذكسية كما أن روسيا أجرت اتصالات لكسب آشوريي هيكاري واوروميا بالإضافة إلى الأرمن من اجل مساعدتها ضد ألمانيا التي وقفت تركيا إلى جانبها، فأوعزت ألمانيا إلى تركيا بضرورة التخلص من الاقليات القومية كي لا تعرقل مؤخرة جيوشها وتدعم الحلفاء وتحصل على استقلالها وبذلك ستعرقل عملياتها الحربية ضد روسيا، فاغتنمت تركيا هذه الفرصة لتفتك بهذه الاقليات بغفلة عن العالم ولتحل مشاكلها على حساب هذه الاقليات وعلى حساب الضمير العالمي، فمارست عمليات القتل والتنكيل والتهجير بحق السريان الآشوريين والأرمن ونهب أرزاقهم وانتهكت حرمتهم دون وازع من ضمير، واستعانت بزعماء العشائر الكردية مستفيدة من وحدة الدين فيما بينهم لتنقلب عليهم أيضا فيما بعد وتبددهم، فتخلصت من مشاكل الاقليات القومية ضمن سلطتها مرحليا على الأقل، وقد كان للانقلاب الذي أحدثه المجددون الأتراك عام 1908 اثر كبير في عقد الآمال للحصول على حرية كاملة وقد خابت آمالهم عندما صرح الدكتور ناظم أحد مفكري الأتراك عندما قال "سنقنع الإغريق والعرب والألبانيين كيف سيكون بإمكاننا صنع شعب واحد منهم شعب ذو لغة واحدة".
وأمام هذا الواقع الجديد انضم الآشوريون في هيكاري إلى الكنيسة السلافية عام 1913م أملا في الحصول على دعم ومساعدة روسيا لحمايتهم، وبسبب عدم وجود ثقة متبادلة بين الاقليات القومية من آشوريين وأكراد وأرمن، فلم تتمكن هذه الاقليات من تحقيق تفاهم فيما بينها بسبب الخلافات والفرقات والصراعات الدينية والدسائس التي كرسها الاستعمار فيما بينها، فكانت دوما في حالة صراع دموي باسم الدين وقد استفادت الحكومة العثمانية من وحدة الدين لجلب زعماء العشائر الكردية إلى جانبها ضد الآشوريين من سريان شرقيين وغربيين في مناطق هيكاري واوروميا وطور عبدين أي في بلاد ما بين النهرين بالكامل، كما إن عدم وجود قيادة مدنية حكيمة للآشوريين في مناطق هيكاري واوروميا والاعتماد على البطريرك فقط كان له دور كبير في سقوط الآشوريين أمام الوعود الكاذبة بحمايتهم دون التأكد من صدق هذه الوعود وبالأخص من روسيا القيصرية قبل وخلال الحرب فقدم الآشوريون كل ما طلب منهم لمساعدة الحلفاء قبل وخلال الحرب دون الحصول إلا على (وعود ووليمة غداء أقامها الجنرال "نزروف" قائد حامية يريفان إلى مار شمعون بنيامين بطريرك الآشوريين و وسام منحته له الحكومة القيصرية).
وهذا الاتفاق أغاظ ألمانيا و النمسا و تركيا التي حرضت زعماء العشائر الكردية بالمقابل واستغلتهم لمساعدتها بضرب الآشوريين، وكانت النتيجة أن ضعفت جميع الفئات وأدى ذلك إلى بسط الحكومة التركية سيطرتها الكاملة على المنطقة وقد أنهت دول الحلفاء وبالأخص بريطانيا دورها التآمري القذر بإنهاء الآشوريين كقضية وكشعب ذو تواجد بشري في مواقعهم الجغرافية بعد ثورة أكتوبر عام 1917م في روسيا وسحب القوات الروسية من تركيا و إيران (هكاري) بل زادت في عمليات التباعد والحقد بين الآشوريين و الأكراد و تآمرت على هجرة الآشوريين التي قادتها سورما خانم أخت البطريرك مار شمعون بنيامين بعد مقتله، وكانت الهجرة الرهيبة باتجاه الموصل والتي أودت بحياة 50 آلف من رجال وأطفال ونساء في الطريق.
أما في وضع بقية السريان في طور عبدين وبقية بلاد الرافدين يختلف عن واقع الآشوريين (السريان الشرقيين) فالبعثات التبشيرية لم تحقق نجاحا يذكر كما قلنا ولم يتقبلوا مشورة الدول الأوروبية أو التعاون معهم ولم يدخلوا في تحالفات مع أية جهة أخرى، وكما قلنا فان انجرار منطقة بلاد الرافدين إلى صراع قومي ممزوج بتأثير ديني مشترك كما بينا في السابق بالإضافة إلى طمع زعماء عشائر الأكراد في أموال السريان بتشجيع من السلطات التركية كان له الدور الكبير مما عاناه السريان من مذابح ومآس وسلب ونهب وبالطبع فان كل ذلك يعود إلى واقع التخلف والجهل الذي طبق على شعوب الدولة العثمانية، فاتبعت سياسة فرق تسد بحذافيرها ضد شعوب المنطقة أما جمعية الاتحاد والترقي التركية فقالت "بما أن الأرمن يأتون بأعمال تخالف السنن ويخزنون الأسلحة فاستدراكا لمشاغبتهم تقرر أن يساقوا جميعا إلى ولايتي الموصل وسوريا على إن تكون أموالهم وأنفسهم في أمان وقد أصدرنا الأوامر لإسكانهم ريثما تضع الحرب أو زارها".
إلا أن الحقيقة كانت غير ذلك تماما فان قوافل الأرمن أبيدت قبل وصولها إلى طور عبدين، وقد اغتنمت الحكومة العثمانية كل هذه الظروف من نشوء الحقد الديني القومي بالتخلص نهائيا من السريان أيضا فأثارت زعماء العشائر الكردية لمساعدتها بالقضاء على مناطق السريان في بلاد الرافدين وطور عبدين بالكامل، أثارت نار اضطهاد عنيف ضد قرى طور عبدين وجاهرت بإبادة المسيحيين في البلاد فاجتاحت القوات التركية والكردية اكثر من 30 قرية وبلدة سريانية في طور عبدين ودمرتها عن بكرة أبيها عدا بعض القرى التي قاومت وحاربت متحصنة في قراها مثل عين ورد وآزخ التي لجا إليهما عدد كبير من سكان القرى التي دمرت في مناطق طور عبدين وبعض القرى الأخرى مثل انحل وباسبرينا التي لم تصل إليها الحروب بسبب صمود القرى التي قاومت ودافعت عن نفسها.
وقد بلغ عدد القتلى والضحايا من السريان الآشوريين أكثر من 150 ألف من بلادهم عدا الذين سُبيوا من الأطفال والنساء بالإضافة إلى تدمير ممتلكاتهم وتهجيرهم من بلادهم، كما بلغ عدد الذين هاجروا أيضاً أكثر من مائة الفٍ هاموا على وجوههم خارج الوطن من الاضطهاد وهروباً من الظلم.
فقد وصلت قوافل المهاجرين إلى سنجار مشياً على الأقدام بالإضافة إلى هجرات السريان الآشوريين إلى فلسطين ولبنان والأمريكتين وروسيا ومصر واليونان وفرنسا والهند، ونزوح فئة أخرى إلى سورية والعراق، كل هذه المآس والنكبات خلقت واقعاً موحداً للشعور بالمرارة والألم وساهمت هذه المآس في نشر الوعي القومي وتبلوره كوعي ثقافي وكحركات قومية واجتماعية سعت لخلق تفاهم وألفة بين جميع (الآشوريين) السريان بكافة طوائفهم ومذاهبهم المختلفة.
ـ واقع القضية الآشورية فيما بين الحربين العالميتين:
إن النكبات والمآس التي حلت بالسريان الآشوريين كانت السبب الرئيسي الذي أدى إلى تشتت أبناء هذه الأمة بكافة طوائفهم ومذاهبهم الدينية، وكما أكدنا أن شذراتهم وصلت إلى الهند وروسيا وفلسطين ولبنان والأمريكتين فتفرقوا في أنحاء المعمورة ليكونوا لطخة عار في جبين ديمقراطية الأنظمة الرأسمالية ومشاعرها اللاإنسانية الزائفة، كما نزح قسم كبير منهم إلى العراق وسورية وإيران تاركين مناطقهم الحصينة مستفيدين من استتباب الأمن في هذه المناطق نوعاً ما وبحثاً عن لقمة الخبز بعد تشردهم ونهب ممتلكاتهم وأرزاقهم وما أن وصلوا إلى هذه البلاد حتى تلقفهم الحلفاء مستفيدين من ظروف التشرد والعوز والفاقة التي كانت تلم بسريان طور عابدين وآشوريي حيكاري وأورمية فجندوا قسماً منهم كقوة وطنية محلية تابعة للحلفاء لقاء، فطبق الحلفاء المثل القائل"يقتل القتيل ويمشي بجنازته"، فدسائس الحلفاء أودت بحياة مئات الآلاف منهم وشتتتهم دون رحمة، ثم سخرتهم لخدمتها لقاء ما يُعرف بالرواتب للمعيشة، وقد كان لظروف الاضطهاد والشعور بالظلم والخوف أثر كبير في التطوع بالجيش الفرنسي والبريطاني أملاً في الشعور بالطمأنينة والحماية، وهكذا وقع أحفاد الإمبراطورية الآشورية البابلية ضحية سهلة بيد غدرات الزمان ولقمة سائغة لمصاصي دماء الإنسانية، فما أن وضعت الحروب أوزارها حتى انتشى الحلفاء من خمرة النصر مُقسمين تركة الرجل المريض فيما بينهم.
وفي هذه الأثناء تشكلت لجنة لبحث قضية الآشوريين بمختلف طوائفهم وكان من بين أعضائها المطران أفرام برصوم (أفرام برصوم الأول البطريرك بعدئذ)، فخلال معاهدة باريس عام 1919م وقفت هذه اللجنة لتعرض القضية الآشورية على مندوبي الدول ذات الشأن ولم يحصلوا إلا على معاهدات بقيت حبراً على ورق.
وفي معاهدة سيفر التي عقدت في 10 آب عام 1920م، نصت المادة 62 والمادة (27ع 2-3)، فتقول وفي هذه الخطة والتقسيم يجب أن تراعى حقوق الأمة السريانية الكلدانية وتضمن سلامتها، وسرعان ما جاءت معاهدة لوزان عام 1924م، التي نصت صراحة على حقوق الأمة الآشورية والتأكيد على قضية الشعب الآشوري بكامله، جاء فيها "وبدأت تطالب بحقوق الأمة وإسكانها في بلادها الأصلية وهي قسم من لواء الموصل وشماله وجبال حيكاري يسكنها السريان تحت رعاية حكومة محلية منهم تكون مسالمة لحكومة العراق، وذلك لأن الجيوش الآشورية هي التي احتلت تلك المناطق من يد الترك بقيادة البطل الآشوري المجرب آغا بطرس"، وتلا ذلك بعدئذ تشكيل لجنة بلجيكية هنغارية أسوجة عام 1925م، رفعت تقريرها إلى الجمعية العمومية موافقة على إلحاق الموصل بالعراق وترك حيكاري ضمن الحدود التركية بشرط السماح للسريان العودة إليها وأن تمنحهم حقوقهم القديمة وتضمن سلامتهم.
إلا أن كل هذه الأمور والمعاهدات بقيت حبراً على ورق، فمواطن الآشوريين تم تقسيمها بين عدة دول حديثة النشوء وفصلت بينها حدوداً سياسية، فتفرق أبناء الأمة يفصل بينهم حدود سياسية وحكومات مختلفة في اتجاهاتها السياسية والاجتماعية، ولم تكتفي دول الحلفاء بما جرى بل ساهمت مساهمة كبيرة مع حكومة ملك العراق في تنفيذ مجازر 1933م، التي أدت إلى ارتكاب مجازر لا إنسانية بحق الشعب الآشوري في العراق، لتنعقد بعدئذ جلسة لعصبة الأمم المتحدة في جنيف وتغرم العراق بغرامة مالية ولينزح قسم آخر من الآشوريين مرة أخرى ولكن هذه المرة إلى الخابور في الجزيرة السورية،وهكذا كانت تجتمع الدول الكبرى في هيئتها الدولية التي شكلتها نفاقاً لحماية مصالحها الاستعمارية ولتصدر قراراتها وتحبّر الأوراق وفي كل مرة كان ينخدع زعماء القضية الآشورية بهذه الدعوة البراقة ليدفع لقائها أبناء شعبهم ثمناً غالياً، حتى مزقت شمل الأمة وكادت المصائب والنكبات والفقر أن تودي بها، وهكذا أسدل التاريخ أوراقه في المحافل الدولية على القضية الآشورية لتبقى كل قرارات هذه الهيئة والاجتماعات الدولية ذكرى في زوايا التاريخ، وربما أن السبب الرئيسي لكل هذا التشتت وعمليات التهجير والتشريد وعدم إفساح المجال أمام الآشوريين للاستقرار في مناطقهم الأصلية هو فواح روائح البترول في هذه المناطق، فكان لا بد من خلق مثل هذه الظروف وحالات عدم الاستقرار لإيجاد الظروف المناسبة لتحقيق مآرب الاستعمار اللاإنسانية في نهب خيرات وثروات هذه البلاد بحجج واهية وبتجرد من الضمير الإنساني.
ـ نبوغ الفكر القومي وأشهر من ناضل من أجل القضية الآشورية:
إن ما عاناه السريان (الآشوريين) من مآس ونكبات وويلات طيلة تلك السنين الطويلة بالإضافة إلى مرارة الهجرة والنزوح، فجرت مرارة الألم في قلوب أبناء هذه الأمة المنكوبة، وكانت هذه النكبات بمثابة الصدمة التي أفاقت الأمة من سباتها العميق الذي دام مئات السنين والذي كاد أن يودي ببقايا هذه الأمة العريقة التي عاشت منذ فجر التاريخ وما زالت تناطح وتصارع من أجل المحافظة على وجودها القومي وعلى تراثها وحضارتها كأمة حية تريد أن ترى لنفسها مكاناً تحت الشمس، كما أن للوعي الفكري الذي يتمتع به أبناء هذه الأمة دور كبير في تبلور الفكر القومي بسهولة، فبالرغم من كل ما جرى، لم تُغلق المدارس السريانية في كافة أنحاء تواجد الآشوريين حتى في أصعب الظروف، وهذا ما أدى إلى إبقاء شعلة الثقافة والوعي مُتقداً لدى أبناء شعبنا، هذا بالإضافة إلى انتشار الأفكار القومية التي برزت في أوربا والاستفادة من هذه الأفكار التي انتشرت بين الشعوب التي كانت خاضعة للدولة العثمانية.
لذا تسابق المفكرون والمثقفون من أبناء شعبنا لتأسيس الأندية الاجتماعية والثقافية حيثما حلوا،وإصدار المجلات الفكرية والقومية لاستنهاض الهمم وزرع الأمل بين أبناء الأمة المُشتتة وزيادة الروابط الفكرية والقومية المشتركة، وقد كان من أوائل من أسس الصحافة وكرسها لخدمة القضية الآشورية هو الصحفي الثائر آشور يوسف الخربوطلي الذي استشهد في سبيل تأدية رسالته التي ينادي بها على صفحات جريدته ܡܗܕܝܢܐ ܕܐܬܘܪܝܐ (مرشد الآشوريين)، ولذلك عد من الأحرار دعاة الإصلاح في عهد المجددين الأتراك عام 1908م، وقُتل فيما بعد من قبلهم، ثم كثرت الصحافة في الخمسينات وبالأخص في إيران، والتي تسعى للنضال وكان من أشهرها مجلتي جلجامش وآشور، بالإضافة إلى مجلة بيث نهرين التي كان يصدرها ويحررها المعلم نعوم فائق ثم مجلة حويوذو، وأن قمة الصحف القومية التي ظهرت بين الآشوريين منذ تأسيس الصحافة وحتى الآن هي مجلة (الجامعة السريانية)، لمحررها ومديرها الأستاذ فريد نزهه، والتي كانت تصدر في الأرجنتين وكانت تهتم بشكل خاص بالقضايا القومية العامة في الوطن وكان لها مراسلون ووكلاء في جميع أنحاء تواجد الآشوريين وقد واظب على إصدارها منذ عام 1934م، وحتى نهاية عام 1970م، حيث مات بعدها واستمر في إصدارها لمدة تزيد عن سبعة وثلاثين عاماً، فكانت منبراً لأحرار الأمة، وقد شارك في الكتابة فيها كثير من الأدباء والمفكرين القوميين أمثال سنحريب بالي وحنا عبدلكي وابراهيم موسى وبولس بيداري وغيرهم، كما تم إنشاء عدة هيئات اجتماعية وأدبية سواء في العراق أو سورية أو إيران، وقد كان لكل هذه الهيئات الاجتماعية والثقافية والصحف القومية دور كبير في تبلور ونمو الوعي القومي وظهور الحركات القومية التي نشأت في نهاية الخمسينات كحركة قومية سياسية تسعى للنضال من أجل القضية الآشورية على مستوى أبناء الأمة بكافة طوائفها المذهبية الدينية، ومن أشهر المناضلين القوميين الذين ناضلوا من أجل القضية الآشورية في النصف الأول من القرن العشرين.
1- مار شمعون بنيامين: قاد الثورة الآشورية الكبرى ونضال الآشوريين من أجل الحياة والوجود في الحرب العالمية الأولى، فاوض روسيا مرات عديدة لمساعدة الآشوريين وحمايتهم من الأعداء، تعذب كثيراً خلال سنوات الحرب، عاصر الثورة الشيوعية عام 1917م، وكان أول المهنئين، ثم فاوض الحلفاء (بريطانيا) بعد انسحاب القوات الروسية من حيكاري وأورميا وحظي بوعد لتقديم المساعدة للآشوريي دون جدوى.
قُتل بمؤامرة حبكها سيمكو زعيم عشائر الشكاك الكردية بالتعاون مع الكابتن غريسي عام 1918م، وذلك عندما كان البطريرك في زيارة لسيمكو بناء على اقتراح الكابتن غريسي، وقد عثر على وثيقة في مقر سيمكو بعد هروبه تطلب منه قتل البطريرك بنيامين، من مهدي شمس الدين حاكم تبريز الإيرانية، وقد يكون للخطاب الذي ألقاه مار شمعون بنيامين بعد الثورة الاشتراكية مؤيداً خطواتها في إنهاء الحرب، دور كبير في تنفيذ المؤامرة البشعة لإنهاءه، وبالأخص فإن دول الحلفاء كانت تنظر بعين عدم الرضى والارتياح للثورة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي.
2- الجنرال آغا بطرس: كبير الجنرالات الآشوريين، وكان قائداً للجيوش الآشورية خلال ظروف الحرب العالمية الأولى وما بعدها هزم القوات التركية والكردية في معارك متعددة، سيطر على مناطق حيكاري واورميا طيلة فترة الحرب الكونية الأولى، عانى الكثير من السياسة المتذبذبة لروسيا القيصرية والحلفاء، قاد الفرقة الآشورية التي ذهبت كما ادعى الجنرال الإنكليزي ديسترويل للإلتقاء في منطقة ساينقلة مع قوات الحلفاء من أجل الحصول على الإمدادات والسلاح، وبالرغم من معارضته هذه الفكرة إلا أنه نفذها بعد إلحاح سورما خانم أخت البطريرك، وكانت الخديعة التي أدت إلى نزوح ربع مليون آشوري إلى العراق فيما بعد، قدم استقالته من قيادة الجيش الآشوري بعد ما لاحظ من دسائس ومؤامرات تحاك ضد الآشوريين وبتشجيع من بعض الزعماء الآشوريين أنفسهم، حضر مؤتمر جنيف عام 1924م مدافعاً عن حقوق الأمة الآشورية، ثم نفي إلى فرنسا ومات هناك.
3- مسعود الأمزيزخي: لم يكن قائداً عسكرياً من قبل إلا أنه كان رجلاً مشهوراً بالشجاعة والمروءة، خلقت منه ظروف الحرب العالمية الأولى قائداً فذاً، ضُربت به الأمثال في طور عابدين، حيث قاد جموع المحاصرين في بلدة عين ورد ولمدة أكثر من شهرين متواصلين بعزلة كاملة عن العالم، واستطاع أن يدبر رجاله وينظمهم عسكرياً ويقاوم القوات التركية والكردية التي كان يربو عددها على عشرة آلاف مقاتل ويمنعها من دخول البلدة بعد أن كبدها خسائر كبيرة في الأرواح، قُتل بعد الحصار بعام تقريباً عام 1916م، في قرية كفري بينما كان يتجول في قرى طور عابدين يحث السريان على الثبات ويستنهض عزيمتهم.
4- آشور يوسف: الصحفي الثائر من بلدة خربوت في آمد صاحب جريدة مرشد آثوريون، قتله المجددون الأتراك قبل الحرب العالمية الأولى لاعتباره أحد دعاة الإصلاح بما كان يصدره في مجلته وكان أول شهداء صحافة القضية الآشورية.
5- نعوم فائق: المعلم الأول في القومية الآشورية ولد في آمد عام 1868م، شارك آشور يوسف في جريدته مرشد آثوريون هاجر خارج الوطن بعد نكبات المذابح في الحرب العالمية الأولى، أصدر عدة صحف في آمد وفي الغربة منها كوكب مدنحو وبيث نهرين والاتحاد التي كان يُصدرها مجاناً، ترك 34 مؤلفاً قومياً وأدبياً وكان من أوائل المفكرين القوميين الذين أدركوا بحسهم القومي وثقافتهم العالية معنى الفصل بين الدين والقومية وكان من أوائل أبناء كنيسة السريان الأرثوذكس الذين نادوا بالقومية الآشورية، حيث كان لا يزال البغض والحقد بين أبناء الأمة الواحدة بسبب الصراعات المذهبية، مات في الغربة عام 1930م، بعد أن وضع حجر الأساس في بنيان الفكر القومي الصحيح وأظهر درب النضال لأبناء قومه بكافة فئاتنهم ومذاهبهم المختلفة.
6- حنا عبدلكي القلعتمراوي: ولد عام 1877م، في قلعة المرأة قرب ماردين، كان من كبار تجار دياربكر في الحرب العالمية الأولى، أنشأ لجنة سرية لمساعدة الروم المهاجرين في ديار بكر مما أدى إلى عزم الحكومة التركية على اعتقاله فنزح إلى سورية عام 1923م، إلى بلدة عامودة، وقف بوجه الفرنسيين في حادث عامودة المشؤوم عام 1937م، فتح أول مدرسة سريانية في عامودة وتولى إدارتها من عام 1928 وحتى عام 1945م، وكان الوكيل العام لمجلة الجامعة السريانية منذ عام 1935م، وحتى وفاته، كتب فيها مقالات كثيرة وكان يمدح ويقدح ويهاجم مآثر وأخطاء ومساوئ بعض رؤساء الأبرشيات للسريان الأرثوذكس، له عدة مؤلفات منها الصوت السرياني الذي انتقد فيه البطريرك أفرام برصوم الأول انتقاداً لاذعاً جداً، وقدم فيه بعض المقترحات الإصلاحية ثم أصدر المرحلة السريانية، فالبوق السرياني، ثم دستور إنهاض الأمة السريانية، حصل على دبلوم في الصحافة بالمراسلة من كلية الصحافة المصرية عام 1953م، كان من مؤسسي جمعية الكنيسة واللغة عام 1955م، مات في 31 تموز 1955م في مدينة القامشلي.
7- مالك ياقو: ولد عام 1894م، في تياري العليا كان أحد قادة ثورة 1933 في العراق التي قامت بين الحكومة الملكية والآشوريين، عانى مأساة شعبه خلال الحرب العالمية الأولى رفض إلقاء السلاح بناء على أوامر الحكومة الملكية في العراق خوفاً من المذابح، نزح مع إخوانه إلى سورية بعد مذبحة سيميلي التي حصلت في السابع من آب 1933م،وسكن قرية تل تمر في الخابور، له مذكرات حول حروب الآشوريين في الحرب العالمية الأولى وثورة 1933م، هاجر إلى كنده ثم عاد إلى العراق بعد موافقة الحكومة العراقية عام 1973م، مات في بغداد في 25 كانون الثاني عام 1974م.
8- سويريوس أفرام برصوم: كان مطراناً للسريان الأرثوذكس وكان عضواً في اللجنة الآشورية في جنيف لدى مندوبي دول الحلفاء، رأس السدة البطريركية للسريان الأرثوذكس ثم حارب بعدها الأفكار القومية، وكان مجالاً للنقد الشديد من مدير صحيفة الجامعة السريانية فريد نزهه والكاتب حنا عبدلكي وسنحريب بالي، توفي عام 1957م، له مؤلفات تاريخية ودينية كثيرة.
9ـ سنحريب بالي: ولد في آمد عام 1878م، سُمي سنحريب بناء على طلب البطريرك يعقوب الثاني، شارك نعوم فائق في أعماله الصحفية،هاجر بعد مآس الحرب العالمية الأولى إلى أمريكا ثم انضم إلى مجلة الجامعة السريانية وكتب فيها مقالات قومية، هاجم خلالها أخطاء بعض رجال الدين من الأكليروس السرياني، شارك في تأسيس الجمعية القومية الآشورية وكان من مؤسسي الاتحاد الآشوري الأمريكي، توفي في 25 حزيران 1971م في أمريكا.
10- الأب بولس بيداري: له مؤلف عرف بقنبلة بيداري كان مناضلاً قومياً، عاش في بلاد الرافدين ما بين العراق وسورية شارك بعدة مقالات في مجلة الجامعة السريانية، مات في العراق بعد نضال مرير وهو يتألم لما آل إليه أبناء قومه.
11- مار إيشايا شمعون: بطريرك الطائفة الشرقية(الآشورية)، ناضل منذ نهاية عام 1933م، في الجمعية العمومية للأمم المتحدة متنقلاً بين جنيف ولندن للمطالبة بحقوق الآشوريين وحصل على بعض الوعود التي بقيت حبراً على ورق لأن بوادر الحرب العالمية الثانية كانت قد لاحت في الأفق، ذاق الألم والمرارة خلال بداية الحرب العالمية الأولى عندما استلم السدة البطريركية وهو صغير السن بعد مقتل البطريرك بنيامين ولاقى العذاب في العراق من يد حكومة الملك فيصل حيث نُفي من العراق عام 1933م، وقتُل بعد أن تزوج.
12- فريد نزهه: ولد في حمص وهاجر إلى الأرجنتين مع قوافل المهاجرين الأوائل من سورية وهو من كبار أ دباء الآشورين الذين ناضلوا من أجل القضية الآشورية، أسس مجلة الجامعة السريانية في بيونس آيرس عام 1934م، وجعلها مجلة قومية تدافع عن حقوق وقضايا الأمة، وقف ضد أخطاء بعض رجال الأكليروس السرياني، وكان يوجه إليهم نقداً لاذعاً شديداً في كثير من الأحيان، حرمه البطريرك أفرام برصوم الأول من الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بسبب مواقفه الصلبة ونقده اللاذع لبعض رجال الدين، رفع عنه الحرم البطريرك يعقوب الثالث عام 1957م، وكان إماماً للكتاب والصحفيين من أجل القضية الآشورية في العالم وجعل من مجلته التي أصدرها وترأسها أكثر من 37 عاماً منبراً حراً لكل أدباء القومية الآشورية في العالم وكان قد أسس لها وكلاء في الوطن والمهجر، برهن عن حقيقة المناضل الثوري الذي لا ييأس رغم كل الصعاب التي اعترضت طريقه، مات في 19 تشرين الأول 1971م، بعد أن خلف وراءه دوياً هائلاً عجز الموت عن إسكاته.
13- ابروهوم صومه: أحد مفكري وأدباء القضية الآشورية، هاجر إلى البرازيل كغيره من المهاجرين من أبناء شعبنا ومن هناك بدأ النضال بالقلم شارك بمقالاته القومية على صفحات الجامعة السريانية، اختص في دراسة وتوضيح معنى القومية الآشورية، وكتب مقالات كثيرة حول تاريخ الآشوريين في الماضي والحاضر في الجامعة السريانية، له عدة مؤلفات منها (ܡܪܕܘܬܐ ܕܣܘܪܝܝܐ) الآداب السريانية في عشرة أجزاء، وكتاب مقالات في الأمة السريانية صدر عام 1979م، ولا يزال على قيد الحياة.
يتبع .. | |
|
تيوليب •° نائبه المدير °•
عدد مساهماتى |♥ : 4846 تاريخ ميلادى |♥ : 27/11/1965 تاريخ تسجيلى |♥ : 09/01/2011 موقعى |♥ : www.elfagr.ahlamontada.net/
| موضوع: رد: قرات لك مراحل تاريخية من حضارة وادي الرافدين الثلاثاء يونيو 07, 2011 10:49 pm | |
| نشوء الحركات القومية السياسية للنضال من أجل القضية الآشورية:
كان لا بد أن يتمخض هذا النضال القومي والتراث الفكري والثقافي لأدباء الأمة ومفكريها وللمصائب والألم الذي ألم بأبناء شعبنا من جملة هذا التراث النضالي الذي خاضه أبناء القومية الآشورية في المجلات والصحف، أن يتحول إلى فعل عملي يحسس مشاعر الشبيبة المثقفة ويحركها من أجل السعي لتحقيق منظمات قومية سياسية تناضل لتأكيد الحقوق القومية للآشوريين في أرض الآباء والأجداد، فمن الطبيعي أن الشعب المُضطهد والمظلوم الذي يعاني من نكبات ومصائب ودسائس الاستعمار الذي هضم حقوقه القومية أن يبحث في تلمس طريقه بنفسه ومن خلال أبناءه المخلصين الذين يتحسسون لهذا الواقع المؤلم، ومن الطبيعي أن تتحرك الفئات المثقفة الواعية من أبناء الطبقات الفقيرة المحرومة التي شعرت بالذل والفقر والاضطهاد أن تبني أحزابها وهيئاتها السياسية الثورية التي تُسعى للخلاص من واقع الاستغلال الذي مارسه الاستعمار بحق أبناء شعبهم، وما مارسته الرجعية المحلية الخائنة والمتآمرة على شعبها مع الاستعمار، فكان من نتاج ذلك أن برزت المنظمة الآثورية الديمقراطية في 15 تموز 1957م، كأول حركة قومية سياسية تحررية من أبناء الشعب الكادح، بدأت تتلمس طريقها القومي الصحيح كجزء من حركات التحرر التي عانت بدورها من استبداد الاستعمار والإمبريالية وما زالت فكانت المنظمة الآثورية الديمقراطية أول حركة سياسية قومية طرحت مفهوم الآثورية وقضية الشعب الآشوري من منظور علمي ثوري إنساني،تناضل إلى جانب الشعوب الأخرى لتأكيد وجودها القومي في ظروف قاسية وصعبة، وفي ظروف لا يستوعب العالم معنى القضية الآثورية بالإضافة إلى التشويه الذي تعرضت له هذه القضية على مر التاريخ بسبب التمييع الذي تعرضت له خلال ظروف الحرب العالمية الأولى والثانية.
وقد عانى الرفاق المنظمون صعاب كثيرة حتى استطاعوا على مدى ست وعشرين عاماً أن يؤسسوا فروعاً للمنظمة الآثورية الديمقراطية في كافة أنحاء العالم التي يتواجد فيها شعبنا وتوضيح مفهوم الآثورية كحركة قومية سياسية إنسانية ولتوضيح دورها التقدمي أمام شعوب العالم بالرغم من كافة محاولات التشويه والتشهير التي تعرضت لها المسيرة النضالية للمنظمة من بعض المغرضين والمتآمرين من أبناء شعبنا ورميها بكافة النعوت والاتهامات الزائفة واستطاعت المنظمة من خلال مسيرتا النضالية الطويلة أن تُعري كل هذه الفئات لتوضح الطريق القومي والإنساني لمسيرة ونضال الشعب الآشوري بكافة فئاته وطوائفه الدينية السريانية والشرقية (الآشورية) والكلدانية.
وللمنظمة نشرة داخلية ناطقة باسم اللجنة المركزية للمنظمة الآثورية الديمقراطية تُدعى زلكي، ولها مجلات فرعية ناطقة باسم فروعها في العالم.
الاتحاد الآشوري العالمي: مؤسسة قومية اجتماعية نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية بنهاية الستينات 1968م، وهي تمثل بشكل صوري مجموعة من الأندية والهيئات الاجتماعية الآشورية في الولايات المتحدة الأمريكية، ليس لها قواعد تنظيمية ملتزمة كما إنها لا تملك برنامج عمل واضح ومحدد، عقدت عدة مؤتمرات دورية في مدن أوربية وفي استراليا، وقد انقسم أخيراً إلى قسمين بسبب خلاف نشأ بين أعضاءه، ولكل قسم هيئته وقيادته المنفصلة، ويمكن أن يكون وسيلة دعائية تخدم القضية الآشورية عالمياً إذا أُحسن استغلاله من قبل القائمين على رأس القيادة فيه.
زوعا دخورارا: إحدى الحركات القومية الآشورية التي نشأت في أمريكا أيضاً في أوائل، ومن اسمها يُستدل أنها تسعى لتحرير نينوى أو إعادة مجدها، وهي تضم مجموعة من الشباب الآشوري في أمريكا ولا تضم هيئات قاعدية أيضاً وليس لها وجود في أرض الوطن كالاتحاد الآشوري العالمي.
حزب بيث نهرين الديمقراطي: وهو أيضاً حركة قومية تناضل من أجل القضية الآشورية، نشأ في أمريكا في بداية السبعينات لهم بعض الكتابات الفكرية بنشرات غير دورية، وقد قام بعض أعضاءه للآشوريين في سورية أملاً في البحث عن أعضاء، إلا أنهم بعد عدة زيارات خابت آمالهم، لأن ظروف العمل في الوطن ليست طريقاً مفروشة بالورود كما كانوا يتصورونه أو مجرد رفع شعارات ولافتات على المكاتب كما تعودوا في بلاد الغربة، وقد أنضم أخيراً إلى أحزاب المغرضة العراقية خارج العراق.
الأندية الآثورية في أوربا: وهي هيئات اجتماعية ثقافية قومية أنشأها أبناء شعبنا المهاجر من سورية وتركيا بنهاية الستينات في السويد وألمانيا وأوربا بشكل عام، وقد تكاثروا وزاد عددهم في السنوات الأخيرة حتى تجاوز الأربعين نادياً، فأسسوا لهم اتحادات تُعرف باتحاد الأندية الآثورية في السويد واتحاد الأندية الآثورية في ألمانيا، ونشأ اتحاد مشترك بين هذين الاتحادين عُرف باتحاد الأندية الآثورية في أوربا، لها انتخابات دورية كما أن لها مجلات ناطقة باسمها تُعرف باسم حويودو (ܚܘܝܕܐ) في السويد وايكرثو (ܐܝܓܪܬܐ) الرسالة في ألمانيا كما أسست لها لجان تُعرف بلجان السلام التابعة لاتحاد الأندية الآثورية، ويقتصر نشاطها على نشر الوعي الثقافي القومي للقضية الآثورية بين أبناء شعبنا في المهجر، وقد لاقت مقاومة عنيفة من بعض رجال الأكليروس في طائفة السريان الأرثوذكس نتج عنها صراع حاد ما زالت آثاره باقية.
الأندية السريانية في أوربا: نشأت تحت تأثير العواطف السريانية وكرد فعل على قيام الأندية الآثورية في منتصف السبعينات ومنذ قيامها حاول بعضهم معاداة الأندية الآثورية وخلق صراع معها بالتعاون مع بعض رجال الأكليروس، وللأسف فإن هذا الصراع فم يخدم القضية القومية لشعبنا لأنه كان مبني على الخصومة، وكان يمكن أن يوجه بشكل إيجابي ليتحول إلى صراع وتسابق من أجل خدمة القضية القومية لهذا الشعب لو أن قادة هذه الأندية كانوا يملكون الإدراك والوعي القومي الصحيح وحاجة أبناء أمتهم لقدراتهم وطاقاتهم دون أن يكون للتسمية وأسلوب النضال أي تأثير في عملية النضال نفسها لآن كلتا التسميتين السريانية والآشورية هما تسميتان لمسمى واحد، وهي تسمية لقضية الشعب الذي بنى حضارة الرافدين على مراحل التاريخ وما زال يسعى للمحافظة على وجوده، ويبلغ عدد هذه الأندية أيضاً حوالي ثلاثين نادياً، ولها مجلة ناطقة باسمها تُدعى بهرو سريويو (ܒܗܪܐ ܣܘܪܝܝܐ) النور السرياني.
الرابطة السريانية والرابطة الآشورية في لبنان: هيئتان نشأتا في ظروف الحرب القذرة التي قامت في لبنان وكان الهدف الرئيسي لهما، هو جمع أبناء الطائفتين السريانية والشرقية (الآشورية) ومنعهما من التشتت والضياع في عهد غياب الدولة والسلطة، ولكن للأسف لم تحققا الهدف الذي قامتا من أجله وهما لا تملكان ترخيص رسمي في الدولة اللبنانية.
الجمعية الثقافية الآشورية في لبنان: وهي هيئة ثقافية قومية نشأت في لبنان عام 1969م، بترخيص من الحكومة اللبنانية مهمتها إحياء التراث الثقافي والفكري والقومي، ضعف عملها خلال فترة الحرب اللبنانية وعاد نشاطها بعد الاستقرار النسبي وهي تقبل بداخلها أبناء شعبنا بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية، لها لجنة ثقافية خاصة بها تُصدر نشراتها الداخلية.
الجمعية الثقافية الآشورية في إيران: تأسست بالخمسينات في طهران، أسست لها فروع في عبدان، واهتمت واهتمت باللجة العامية (السوادايا) بشكل خاص، وطبعت بها كتب المدارس الابتدائية وكتب قديمة في إيران، وأصدرت مجلة جلجامش ثم مجلة آشور انقطعت أخبارها نهائياً بعد قيام الثورة الإسلامية.
ـ الهجرة المعاصرة وبداية نشوء الصراع من خلال محاولة بعض رجال الدين خلق صراع بين الشبيبة القومية والكنيسة:
إن من أخطر الأمراض التي يتعرض لها شعبنا في الوقت الحاضر هو مرض الهجرة الذي انتاب أبناء شعبنا في أوطانه تشرده إلى شرذمات صغيرة متناثرة في جميع أنحاء العالم، وقد يكون لما جرى لشعبنا في الماضي من مآس ونكبات دور كبير فيما يجري حالياً من هجرة وتأثيرها على نفسيتهم.
فإن عمليات التهجير والقتل والإبادة والتآمر جعلت شعبنا يفقد الثقة بمحيطه ويشعر بعدم الاطمئنان لما يجري حوله،وقد فشلت الإدارات الدينية بمختلف أشكالها من إيجاد وحدة وتكاتف وترابط تجعله يُعيد الثقة بنفسه، بل أن تصرفات بعض السادة الكهنة كانت سبباً في نفور أبناء الشعب، بعضهم من بعض وفقدان الأمل على المحافظة على وجودهم وكيانهم، كما أن عدم وجود هيئات سياسية قومية مُعترف عليها في مناطق سكناهم قادرة على جمع أبناء شعبنا بالكامل، وإعادة الثقة والطمأنينة إلى نفسه، أدت إلى محاولة كل فرد البحث عن خلاصه بنفسه، والخلاص الفردي كما نعلم هو هروب من الواقع وما ساعد على ذلك هو وجود هجرات سابقة إلى أوربا وأمريكا ولبنان خلال ظروف ما بعد الحرب العالمية الأولى.
هذا بالإضافة إلى تحول الهجرة إلى مهمة يسترزق منها التجار والسماسرة من أبناء شعبنا أنفسهم الذين تفننوا في تزوير جوازات السفر والفيز لجميع أنحاء العالم وبيعها بأسعار خيالية، نهبوا من خلالها الفقراء من أبناء شعبهم، وأن ظروف عدم استقرار الواقع في الشرق الأوسط بالكامل أيضاً كانت عاملاً مساعداً، فمنذ بداية السينات بدأت الهجرة الفردية تنخر كياننا في الوطن حتى استفحل خطرها في نهاية السبعينات وأوائل الثمانينات، فقد هاجر خلال هذه الفترة إلى ألمانيا وهولندا وبلجيكا وفرنسا وسويسرة والسويد وأمريكا واستراليا أكثر من مائة ألف معظمهم يعيشون في مناطق متفرقة ومتناثرة وفي حالات نفسية واجتماعية غير مستقرة بتاتاً، كان من الطبيعي أن يشعروا بالحنين إلى الوطن والأهل وأن يسعوا للارتباط بشكل أو بآخر بآمال العودة فلم يروا وسيلة لذلك سوى التعلق بالأفكار القومية، وبحكم كون الفكر القومي الآثوري هو الفكر القومي الوحيد الذي كان مطروحاً على الساحة بشكل عملي ومعظمهم كان يشعر بالارتياح له في في الوطن من خلال ما قدمه مفكروا الأمة وأدبائها.
كما ساهمت المنظمة الآثورية الديمقراطية أيضاً في زيادة تثبيت هذا الشعور القومي فقد سعى أبناء شعبنا في المهجر إلى تأسيس الأندية الآثورية تحت تأثير الشعور الارتباط في الوطن والإحساس القومي، ولا ننكر أن هناك الكثير ممن انتسب إلى الأندية الآثورية في المهجر لم يكن يعي بشكل جيد معنى القومية والأفكار الآثورية كحركة تحررية قومية إنسانية تسعى لمنع أبناء شعبنا من الذوبان والاضمحلال في المهجر والسعي لتأكيد الوجود القومي في الوطن، بل كانوا ينطلقون من شعور عاطفي بحت، وفي السبعينات هاجر بعض السادة الأحبار وبعض الكهنة من أبناء طائفة السريان الأرثوذكس إلى أوربا، ولاحظوا أن الوعي القومي قد أخذ مجر قوياً بين أبناء الكنيسة السريانية فانطلقوا من خطأ تاريخي دون الوعي والإدراك من أن الوعي القومي بين أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية هو سند وتمتين لدعائم الكنيسة السريانية نفسها ولرفع شأنها كمؤسسة حافظت وما زالت على وجود هذا الشعب واستمراره في التاريخ كشعب ذو ميزات حضارية وإنسانية متكاملة وأنها أصبحت جزء رئيسياً من تراثه، فوقف هؤلاء السادة ضد الأفكار القومية الآثورية وحاولوا استخدام اسم الكنيسة السريانية طرفاً في دوامة الصراع مّدعين أن كل من يؤمن بالأفكار الآثورية أو يدعي الانتماء إلى الحضارة الآشورية يتحول إلى النسطورية متذرعين من اتخاذ الطائفة الشرقية الآشورية كاسم طائفي لها، ولكننا نسألهم الآن هل إذا حاول أحد الفروع العودة إلى الأصل مبرراً لعدم عودة الفروع الأخرى إلى هذا الأصل، أو مبرراً لمحاربة الأصل أيضاً.
فشن رجال الدين بالاتفاق مع بعض العلمانيين حملة عشوائية ضد الآثوريين وبالأخص في أوربا مستخدمين سلطتهم الكهنوتية وسيلة لذلك حتى أنهم لجئوا إلى منع الخدمات الروحية عن أبناء كنيستهم الذين لا ينكرون الآثورية أو يكفرون بها، وكأن الآثورية هي بدعة دينية جديدة ظهرت في الكنيسة، إلا أن الوعي الذي تحلى به الرفاق الآثوريون وأعضاء الأندية الآثورية فوت عليهم هذه الفرصة، فزاد تمسك الآثوريين من أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسة بكنيستهم ورفضوا الانحياز عنها بالرغم من كل الصعاب والمحاربات والمهاترات التي جوبهوا بها، وبذلك منعوا انشقاقاً أكيداً كان يهدف إليه بعض المخربين لتمزيق شمل أبناء شعبنا مرة أخرى ومحاولة إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.
فبرهنوا على أصالة ونضج في الفكرة القومية وتجردها من الحساسيات الثانوية، وأن القومية شئ والكنيسة شئ آخر، لأن القومية هي مجموع التراث الثقافي والاجتماعي والتاريخي والحضاري يميز شعب عن آخر والنضال من أجل الاستمرار في هذا الوجود الحضاري، أما الكنيسة فهي قيم دينية سماوية تدعو للتسامح والمحبة والخير والأيمان بالخالق وتسعى لخلاص البشرية والأيمان بالله. ونحن نقدس كنائسنا بكافة تسمياتها وبمختلف طوائفها ومذاهبها الدينية لدورها الإنساني في المحافظة على وجود شعبنا وإيصاله إلى شاطئ الأمان وما زالت، ولا نقبل من أي كان ومهما كان شأنه فرد أو هيئة سياسية أن يتعرض لتسمياتها أو لعقائدها الدينية لأنها جزء مهماً من تراث شعبنا عبر مراحل التاريخ ولأنها ترتبط بالشعور الدين الداخلي لأبناء شعبنا، وأن حرية العقيدة والعبادة لا تسمح لأي كان التطاول عليها.
وخلال هذه الفترة أيضاً حدثت عدة تطورات في العراق وإيران إثر قيام الثورات الكردية المسلحة في شمال العراق في نهاية الخمسينات وحتى بداية السبعينات والتي كانت تطالب بحكم ذاتي محلي، ومنها مناطق الآشوريين وقد كانت تضم بينها عدة فرق آشورية مسلحة بقيادة الجنرال كيو والأميرة مارغريت، وقد كانت النتيجة أن تم الصلح والاتفاق ببيان 11 آذار 1970م، على إعطاء الحكم الذاتي للأكراد في شمال العراق دون ذكر لحقوق الآشوريين لا من قريب ولا من بعيد مما أدى إلى إعادة زرع الشك من قبل الآشوريين بنية الأكراد وشعورهم بالغبن والخديعة مرة أخرى، وكانت النتيجة الناجمة عن ذلك انتهاء المقاومة المسلحة الكردية والقضاء عليها كاملاً في الشمال، ثم قامت الحكومة العراقية بمحاولة لإرضاء الآشوريين بمختلف طوائفهم أيضاً فأصدرت قراراً بمنح الحقوق الثقافية للناطقين باللغة السريانية عام 1973م، كما أعطتهم ساعتين في الإذاعة لبث البرامج باللغة السريانية، وكان منم المفروض أن تُعطى حقوق الآشوريين القومية على أرض الآباء والأجداد كغيرهم من الأقليات الأخرى، ولما عانوه من مآس ونزوح وقتل وتشريد خلال مسيرتهم التاريخية في أرض الوطن ولأن الآشوريين لم تكن لهم غاية طيلة وجودهم إلا الاستقرار والعيش بسلام مع كافة الفئات المتواجدة معاً كما أوضحنا فيما سبق.
كما عانى شعبنا في العراق منذ منتصف السبعينات من هجرات متتالية شبه جماعية وفردية بعضها إلى استراليا وبعضها الآخر إلى أمريكا وهجرة شبه جماعية إلى أثينا عانوا خلالها ولمدة أكثر من عامين كثيراً من الذل والفقر والحرمان دون أن تكون هناك إمكانية لمساعدتهم ودعمهم وتشتتوا بعدها إلى عدة جهات من العالم ووقعوا تحت رحمة السماسرة وتجار جوازات السفر والفيز المزورة ليهيموا على وجوههم وبشكل فردي وعائلي بحثاً عن لقمة الخبز بعد أن عانوا في وطنهم هم وأجدادهم لأكثر من ستة آلاف سنة بنوا فيها حضارتهم وازدهرت فيها مدنيتهم وقدموا خلالها للإنسانية كل طاقاتهم وذاقوا فيها مرارة الألم والعذاب دون أن يتزحزحوا.
وأخيراً فالذين هاجروا وتركوا الأرض والوطن فقدوا كرامتهم وعزتهم وتحولوا إلى متسولين على أبواب مدنيات العالم وفي زوايا التاريخ يبحثون عن اسم وعن هوية، وكان لقيام الثورة الإسلامية في إيران دور كبير في إحداث هجرات كثيرة للآشوريين من إيران لأن ما رافق الثورة من فوضى وعدم استتباب الأمن وعوامل الإعدام دون محاكمة وما رافقها من مآس أدت إلى هجرات جديدة لأبناء شعبنا أفراداً وجماعات بحثاً عن أماكن للاستقرار في كل أنحاء العالم دون تحديد، وكان من نتيجة ما عاناه الآشوريون بمختلف طوائفهم من ظلم واضطهاد ومرارة أدت إلى هجرة أكثر من مليون خارج الوطن يبحثون عن العدل في العالم دون أن يعلموا أن من يبحث عن العدل متسولاً على أبواب الغرباء يبقى عرضة للابتزاز والاستغلال وتُهان كرامته لأن العدل لا يؤخذ إلا في الوطن وبعد نضال مرير وتضحية من أجل إثبات الوجود والبحث عن سبل لتحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع الفئات والأقليات القومية بما يضمن سلامة وكرامة الوطن والقاطنين فيه ورفع صوتهم من أوطانهم لضمها إلى أصوات الشعوب المناضلة والمكافحة من أجل إثبات وجودهم ولنشر العدل والسلام في العالم كله.
أن مجمل الظروف غير الطبيعية التي اجتاحت بلاد الرافدين بالكامل والمآس التي عانت منها شعوب المنطقة بشكل عام وأبناء شعبنا بشكل خاص، والدسائس والفتن التي نشرها الاستعمار بمختلف الطرق والوسائل دور كبير في إبقاء المنطقة في حالة تخلف وجهل مُطبق، استمر مئات السنين وساهم بقدر كبير في شراء ذمم الزعماء المحليين من إقطاعيين وزعماء عشائر وبيكاوات الأكراد لإبقاء نيران الحقد والبغضاء مُتقدة في المنطقة بالإضافة إلى نشر الأحقاد الطائفية والدينية وإتباع الأسلوب العشائري في العلاقات الاجتماعية، كل هذا ساهم في منع الشعوب الفقيرة في المنطقة من إدراك مصالحها الحقيقية القائمة على الاستقرار والتفاهم واحترام حقوق الفئات الأخرى التي تعيش بينها فساهمت بصورة أو بأخرى في دوامة الصراع الدموي الطائفي الذي أودى بحياة الاستقرار في المنطقة وأوقع أبناء المنطقة بالكامل في دائرة الاستغلال الاستعماري الإمبريالي واستغلال البيكاوات وزعماء العشائر التي من مصلحتها استمرار هذا الواقع المتردي في العلاقات الاجتماعية والإنسانية لصيانة مركزها الاجتماعي كزعامة تقليدية ولحماية مصالحها الاقتصادية القائمة على الاستغلال والنهب وتشريد الشعوب ونشر الفقر والاضطهاد والجهل كي لا يعي الشعب واقعه أو يسعى لتغيير هذا الواقع الفاسد وباء علاقات جديدة ينتفي منها الاستغلال والاضطهاد الذي يُعتبر محور علاقة الزعامات التقليدية والبيكاوات المحليين والاستعمار دوماً.
تمت ..
| |
|