يقولون ( لكل منا أسطورته الذاتية ) ، تبني المرأة أسطورتها الخاصة حول الرجل الأكثر تأثيرا في حياتها ، غالبا هو الزوج ، ونادرا الأب أو الابن أو الأخ ، تكون عنه في مخيلتها وفي ذاكرتها قصة مترابطة حافلة بالمواقف الدرامية المؤثرة ، وتبني حوله هالة من الضوء الذي ينبع في الحقيقة من قلبها هي ، ولذلك فقد تغزونا الدهشة حين تتكلم زوجة محبة عن زوجها كأنه ( أبو زيد الهلالي ) ونحن نعرف جيدا أنه رجل بسيط للغاية ، والعكس أيضا صحيح حين تتحدث زوجة تعسة عن زوجها الرجل الفاضل الذي يشهد له الجميع كما لو كان خارجا علي القانون !!
إذا كانت الزوجة المحبة موقفها مفهوم لأنها تراه بعين الرضا ، فإن الدافع الحقيقي للزوجة الظالمة هو الحب أيضا ولكن الحب المجروح ، فهي تشعر في أعماقها بالتهديد والخذلان لأنها لا تجد صدي لحبها لديه ولذلك تعمد لتشويه صورته حتي تقنع نفسها بأنها فازت بالبعد عنه وتجنبه .
تتساوي كل النساء في هذا من الوزيرة إلي العاملة الفقيرة ، وتتكون أجزاء الصورة الذهنية عن الزوج من مواقف أغلبها حدث بالفعل ولكن المهم كيف استقبلتها هي ، تخبرني إحداهن بعيون تشرق بالمودة والرحمة ( بالأمس كنت عائدة من السوق قابلني زوجي وهو في طريقه للعمل أشفق علي وعزمني علي كوب من العصير وأصر أن يحمل عني مشترواتي حتي البيت قبل أن ينطلق لعمله ) ثم تدعو له دعاء حارا من القلب ، ( كوب العصير وحمل المشتريات ) كان له تأثير أكثر من شراء سيارة آخر موديل لسيدة ثرية فشلت في التواصل مع الزوج .
سألتني أخري سؤالا موجعا بعد طلاقها عقب سلسلة من المشاحنات وكانت قد كونت أسطوانة متكاملة تدور تلقائيا بمجرد فتح السيرة لتحصي مساوئه ومسالبه وعيوبه وو ، لكنها سألتني بعد مدة طويلة من الطلاق ( أحيانا أتذكره وفي الحقيقة كل ذكرياتي وأيامي الهامة معه ، يوم وضع طفلي الأول وتبرعه بالدم لي ، سفرياتنا معا ، تأسيس البيت الذي يحتوينا وو ، باختصار هل ذكرياتي ملكي أم يجب أن أتخلي عنها لأنه صار رجلا غريبا عني ؟ )
كنت قد قرأت نصحا طبيا عن ضرورة مسح شرائط الذكريات القديمة وخاصة التي تحمل ذكري سيئة ، حرصا علي سلامتنا النفسية وتجددنا وحتي نفسح مكانا للبهجة والذكريات السعيدة ، النسيان نعمة كبيرة جدا كثيرا ما نتجاهلها ، من خبرتي الخاصة طالما أن الزوجة تكثر من ذكر زوجها حتي ولو بالشكوي فهي تحبه ومازال يحتل مركز تفكيرها ، فالاهتمام قرين الحب .
الحالة التي فجرت لدي كل تلك الأفكار هي ( أم هاني ) التي جاءت من أعماق الريف لتجري جراحة وقد تقدم بها العمر وصار لها قبيلة كاملة من الأحفاد ، وكان زوجها قد هجرها منذ ربع قرن وتزوج بغيرها وأقام في المدينة ، وبينما نحاول التخفيف عنها بالدردشة قبل الجراحة حتي لا تتوتر فوجئت أنها لا تكف عن ذكر زوجها فإذا ذكر السفر قالت ( كان مسافرا للعراق ) وإذا ذكر المال قالت ( كان جيبه عامرا دائما ) وإذا ذكر الطعام ذكرت أنواع الطعام التي كان يحبها من يدها !!
مادام الزوج هو بطل حكايتها مع الزمان وفارس أسطورتها الخاصة فلابد من التسامح في الهفوات ليدوم الود بينهما ، فإذا استطاعت أن تبدأ يومها كأنه صفحة جديدة نقية بريئة عامرة بالتفاؤل سيكون يوما سعيدا بإذن الله ،ومما يعيننا و يبدد هواجسنا جميعا قوله تعالي (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم )22 النور بلي نسألك اللهم المغفرة والرحمة يارب العالمين .