تيوليب •° نائبه المدير °•
عدد مساهماتى |♥ : 4846 تاريخ ميلادى |♥ : 27/11/1965 تاريخ تسجيلى |♥ : 09/01/2011 موقعى |♥ : www.elfagr.ahlamontada.net/
| موضوع: صباح التجلّى.. فى الأمان يا لللّى بقلم أسامة غريب الثلاثاء مايو 03, 2011 4:51 am | |
|
هل تلاحظون أن معدل سريان الغيبوبة فى الجسم المصرى قد تسارعت وتيرته، وأنه لم يتبق سوى وقت قليل حتى يرقد الجسم العليل فاقداً الحركة تماماً؟
منذ سنوات كان لى صديق حديث التخرج فى كلية الطب.. رأى صديقى كبار الأطباء الذين يشغلون مناصب جامعية يمارسون الإجرام فى حق المرضى ويتقاضون مبالغ باهظة مقابل تقديم خدمة طبية عفنة شديدة التدنى، ورأى الحكومة لا تتحرك والمجتمع لا يقاوم ففقد إيمانه بكل ما تعلمه وقرر أن ينزل السوق وفقاً لمعاييرها. أحضر صديقى بطارية ضوئية تطلق خطوطاً من النور الرفيع متعدد الألوان وقام بوضعها داخل صندوق صغير، ثم كتب على اللافتة فوق عيادته بشارع الصناديلى «الكشف بالأشعة فوق الحمراء».
وكان صديقى يستعين بممرضة لعوب كانت تقوم بالدعاية له وسط أبناء الحى وتحكى عن شطارته ومهارته، وفى العيادة كانت تتسلم خمسين جنيهاً من كل مريض وتقوم فى الوقت نفسه بتشغيل بطارية النور التى تعمل بـ«حجرين قلم» وتسليطها على الموضع الذى يحدده لها الطبيب، وأحياناً كان يضاعف الفيزيتا على المريض إذا رأى أنه يحتاج أشعة أكثر وقد يستهلك الحجر كله!
هذا وقد نال صديقى الطبيب شهرة مدوية فى المنطقة، وأصبح الناس يتسابقون على الحجز عنده ليكشف عليهم بالبطارية الصينى التى كانت بـ٣٠ قرشاً فى ذلك الوقت!
شىء من ذلك رأيته فى الأيام الماضية عندما قام مجموعة من الشباب خفيفى الظل، أرادوا أن يسرّوا عن أنفسهم، فأحضروا بطارية متطورة تطلق أشعة ملونة وفعلوا ما فعله صديقى الطبيب فجعلوا ضوء البطارية ينطلق من فوق كنيسة فى الوراق، وشاهدوا الناس الطيبين المكدودين من سكان الوراق مسيحيين ومسلمين فى غاية النشوة والسعادة، بعد أن صور لهم اليأس ولفافات البانجو أن ضوء البطارية هو السيدة العذراء مريم!!
لا أستطيع أن أنكر إحساسى بالأسى على حال الفقراء المعذبين فى الأرض الذين يترنحون تحت وقع الضربات التى يتلقونها من الحكومة ومن رجال الدين على السواء، وكأنما لا يكفيهم ما هم فيه من ضنك وبؤس فيقوم العابثون بالسخرية منهم ومشاغلتهم بضوء البطارية بدلا من توفير الخبز والوظائف والماء النظيف لهم. ولا ألوم الفقراء الذين لا يملكون العلم والمنطق ولا يستطيعون أن يكشفوا الحيلة البسيطة،
كما لا ألوم الحكومة التى تركت الناس يتلهون فى خيبتهم الثقيلة حتى ينسوا حالهم البائس، وبالطبع لا ألوم رجال الدين الذين تلتقى أشواقهم مع رجال الحكم فى تلبيس الناس السلطانية والإبقاء على المعادلة بوضعها الراهن.. لكنى ألوم المتعلمين فى الوراق وفى باقى الأحياء التى انطلق إليها الشباب العابث ومعهم البطارية.. ألومهم لأنهم يستطيعون ببساطة أن يسألوا الناس عن الضوء المنطلق من البطارية ولماذا يعتبرونه العذراء بالتحديد؟
لماذا لا يكون هذا الضوء هو السيد المسيح؟ ولماذا لا يكون هو أحد القديسين؟ ولماذا لا يسألونهم السؤال الأهم: ما الذى استفادوه إذا كان هذا الضوء هو العذراء فعلاً؟ وما الذى يستطيع الضوء أن يقدمه حلاً لمشاكلهم؟ هل يستطيع الضوء أن يلغى الخط الهمايونى الذى يشكون أنه يمنعهم من بناء كنائسهم؟ هل بإمكانه أن يزوج البنات ويوظف الأولاد؟ هل يقدر أن ينهى الحكم الديكتاتورى وتزوير الانتخابات؟ هل ينهى التمييز الذى يعانى منه المسلم الفقير والمسيحى الفقير (لأن الأغنياء من الجانبين هم الذين يمارسون التمييز)؟ هل يستطيع هذا الضوء أن يحقق لهم المواطنة ويقيم الدولة المدنية؟.
الإجابة معروفة وهى أن هذا الضوء أياً كان مصدره لا يستطيع أن يفعل للناس شيئاً، لكنه يستطيع أن يخدم الحكومة ويخدم رجال الدين الذين قالوا إن الله اختصهم وحدهم بهذه المعجزة وحرم منها الآخرين! إن المصريين شعب متجانس، وهو نسيج واحد فعلاً متشابه فى كل شىء حتى فى الإيمان بالخرافات وفى تقديس رجال الدين.. والأمر شبيه كل الشبه بما يردده بعض المسلمين الطيبين أحياناً عن الولى الذى شاهدوه يسير على الماء أو يحلق بجناحيه فى الهواء! ولا يسأل أحد نفسه عما استفادوه من المعجزة التى لم تطعم جائعاً ولا كست عارياً.
ومع هذا لا أملك إلا أن أتساءل بمناسبة المثال السابق عن الولى الصالح: ماذا لو أن الاحتفال الطاغى بظهور العذراء كان قد قام به نفر من المسلمين احتفالاً بوليهم الصالح؟ أما كانت نفس وسائل الإعلام التى تحتفى بظهور العذراء الآن ستقوم بالسخرية من الظلاميين الطالبانيين الذين ينشرون الدجل والخرافة والشعوذة فى المجتمع المصرى ويريدون أن يعودوا بالناس إلى القرون الوسطى؟
أما كان السادة المنوراتية أصحاب كلوبات التنوير سيفتحون النار عليهم؟.. مال وسائل الإعلام قد روجت للبطارية وأصحابها ومالها تخشى من ذكر الحقيقة التى تعرفها وتمضى فى مسايرة الحكومة المستعبطة التى تضحك على الناس ورجال الدين الذين لا يخفون سعادتهم بالضوء الشارد؟.. هل يكون السبب أن السادة المنوراتية هم أنفسهم أصحاب البطارية التى تعمل بـ«حجرين قلم» من ماركة القط الأسود؟
بقلم أسامة غريب
| |
|