تحن المرأة للحكاية وتهفو إليها الحكايات دائما ، عندما تبدأ إحداهن بقولها ( هل سمعتن حكاية صديقتنا وبيتها الجديد ؟ )
تتطلع إليها العيون وتنجذب الآذان ، الحكي يوافق طبيعة المرأة من حيث رؤيتها الكلية واهتمامها بالتفاصيل وقدرتها الفذة علي أن تحمل كلامها شتي العواطف المؤثرة ، وقد برعت كثير من النساء في الشرق والغرب في الفن القصصي وسجلت أسماءهن في ذاكرة الإبداع .
تحب البنات القصص والروايات التي تحلق بهن في عوالم الخيال ، وقد لمست ذلك في زياراتي لمعرض الكتاب ، دائما تجذب القصص العيون الجميلة اللامعة المتشوقة لنزهة العقول ومتعة السباحة في عالم افتراضي ، ولكن بالطبع يقرأن المتاح ، شعور بالحرج كان يساورني وأنا أري فتيات محجبات يشترين روايات مليئة بالمواقف المخجلة والوصف التفصيلي المكشوف ، كنت أتساءل كيف سيؤثر عليهن ؟
التأثير المباشر هو انتهاك الحياء والإغراء بتقليد ما يقرأن ، وما يترتب علي ذلك من جرأة الدخول في علاقات ولو عبر النت ، والجري وراء بناء قصة حب عنيفة تجرب من خلالها ما تشبع به خيالها ، ومعروف بالطبع النتائج المؤسفة لتلك الجرأة التي قد تدمر الفتاة تماما أو علي الأقل تسلبها السمعة والطمأنينة ، كل منا يعرف قصة فتاة بريئة أضاعت نفسها في أوهام الحب .
أحتفظ بتفاؤلي وأفترض أن هذا التأثير المباشر نسبته ضئيلة جدا لأن هناك عوامل حماية كثيرة تحوط الفتاة وتقيها هذا الشر ، التدين وحسن التربية وحفظ الله وستره علي البنات الغافلات ، وهنا سوف يظهر الأثر غير المباشر وهو ما يسمي ( التناقض المعرفي ) فما تمتلئ به صفحات الأدب المكشوف من معاني سلبية يتناقض مع ما يغرسه التعليم والتربية وتعاليم الدين ، وينشأ عن ذلك (ارتباك فكري وتشويش )يؤدي لكثير مما نراه من سلوكيات مستهجنة من المحجبات ، وقد تهدم رواية واحدة كثير من القيم والمبادئ التربوية التي سبق استيعابها .
إذا كانت الفتاة تتمتع بالصلابة الأخلاقية والبصيرة القادرة علي الفرز فهي غالبا لن تتأثر سلبيا بما تقرأ ، وسوف يستقر المقبول منه فقط في اللاوعي ، لأن وقت التسلية والقراءة المسترخية هو أنسب الأوقات لإعادة تشكيله ، سوف يتضح هذا الأثر عند زواجها فقد ادخرت كل مخزونها لهذا اليوم ، وهذا التوقع العالي والخيالي من الزوج يعد سببا رئيسيا لمشاكل ما بعد الزواج وخاصة في السنة الأولي التي استأثرت بنسبة 62% من حالات الطلاق في مصر ، ترسم الفتاة صورة وردية لما سوف يغرقها به الزوج من غرام الروايات ولاتجده في الواقع فيصيبها الإحباط وتبدأ المشاكل .
فهي تلبس وتتزين وتتعطر منتظرة الزوج الذي سوف يبهره جمالها ويسمعها كلاما معسولا وربما دعاها للخروج في نزهة أو أحضر معه خاتما ماسيا يفاجئها به ، ولكنه يعود( أشعث أغبر ) يلقي سلاما فاترا ويدخل جري إلي الحمام تسأله ( ما بك ؟ ) يحدثها عن مرمطة المواصلات وتعنت المدير وغلاسة الزملاء وعندما يخرج تسأله ألا تلاحظ شيئا ؟ يقول : ألاحظ أنك لم تحضري الطعام وأنا ميت من الجوع ، بعد الأكل تحاول مرة أخري فينظر إليها وهو يغالب النعاس ويقول في نفسه ( أسئلتها صعبة جدا ؟ ماذا ألاحظ ؟ لاشئ إنها هي زوجتي كما تركتها لم تنمو لها ذراعا ثالثة أو تتغير معالم وجهها )
الحياة الزوجية الواقعية أجمل من الروايات لأنها مثمرة منتجة تقوم علي تعاون زوجين وتأتي أوقاتهما الجميلة في حينها عفوية طاهرة وليست مصنوعة ومفتعلة ، ولكن كل شئ في حينه ، هل معني ذلك منع البنات من القراءة؟ بالطبع لا ،فسياسة المنع دائما فاشلة عقيم ، التقصير من عندنا والمطلوب هو البديل الذي يشبع الخيال ويقدم القيم ويسير جنبا إلي جنب مع المسجد والمدرسة والبيت في نفس الاتجاه .
الأدب المكشوف يكدر النفس ويؤذي الروح بالنسبة للجميع وخصوصا البنات لما يتميزن به من رقة وحياء وغفلة محببة دفعت رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يقول للمغني عذب الصوت ( رفقا بالقوارير ) .